العلاقة الخليجية ـ الإيرانية وآفاق المستقبل

TT

في البداية لا بد من التأكيد على أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي وبدون استثناء تتطلع الى اقامة علاقات اخوية سليمة مع الجارة المسلمة ايران.

فإيران ليست الجارة المسلمة عبر الشاطئ الاخر للخليج العربي وحسب، ولكنها بفعل تعداد سكانها وموقعها الجغرافي واهميتها الاستراتيجية تمثل الطرف الثاني في المعادلة الاستراتيجية. وتنبع اهمية ايران بالنسبة لدول مجلس التعاون من حقيقة ثابتة مفادها انه لا يمكن التوصل الى استقرار حقيقي ودائم في الخليج بدون ان يكون لكل من ايران والعراق دور مهم في معادلة ميزان القوى، وان تكون ايران لاعبا اساسيا في اللعبة الجيو ـ سياسية في الخليج.

وانطلاقا من ادراكنا لاهمية دور ايران وآمال دول مجلس التعاون الخليجي في قيام علاقات اخوية ومتوازنة مع الجارة ايران، لا بد من تسليط الضوء على العوامل التي يمكن ان تؤثر سلبا او ايجابا على العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وايران حتى نتمكن من بناء علاقات افضل، وان نسعى لتقليص الفجوة التي تباعد بيننا وبين الجارة ايران وان نعمل معا لتخفيف حدة التوتر في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

ولا بد من التذكير بأن ما يجمع بيننا وبين ايران الجارة المسلمة، خصوصا منذ قيام الثورة الاسلامية، هو اكثر مما يفرق بكثير. فايران هي الجارة المسلمة التي تربطنا واياها روابط العقيدة الاسلامية والعلاقات التاريخية منذ القدم وعوامل الجغرافيا التي لا يمكن الغاؤها او تجاهلها، وغير هذا وذاك، فإن ايران في ظل الحكم الاسلامي هي الحليف الطبيعي للعرب في صراعهم ضد الصهيونية العالمية وهي من المدافعين الاقوياء عن فلسطين. وايران اليوم اقرب الى مواقف العرب من ايران الشاه الذي كان يقيم علاقات متميزة وخاصة مع اسرائيل.

لذلك فإن لدول مجلس التعاون الخليجي مصلحة مشتركة في علاقات ودية تقوم على اساس حسن الجوار والعقيدة الاسلامية والمصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشتركة في ظل امن واستقرار دائمين. ولكن في المقابل لا تزال هناك قضايا عالقة ان لم تعالج بصراحة وبموضوعية فإنها قد تؤثر سلبا على مجمل العلاقات العربية ـ الايرانية. ويتصدر موضوع الخلاف بين دولة الامارات وايران حول الجزر العربية (ابوموسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) التابعة لدولة الامارات والتي احتلتها ايران عام 1971م رأس قائمة العوامل السلبية في العلاقات بين دول مجلس التعاون وايران، ثم يأتي برنامج التسلح غير التقليدي لايران والذي يثير قلق الدول المجاورة ويساهم بدوره في زيادة حدة التوتر في منطقة الخليج العربي.

وانطلاقا من قناعتنا بضرورة تذليل الصعوبات الشائكة التي قد تعرقل او تعيق قيام علاقات اخوية بين دول مجلس التعاون الخليجي وايران، فمن الضروري مناقشة هذه العوامل من اجل معالجتها بروح ايجابية بناءة.

أولا: موضوع الجزر العربية (ابوموسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى) بعيداً عن تفاصيل قضية الجزر العربية موضوع الخلاف بين دولة الامارات العربية المتحدة وايران، فان اصرار ايران على الاستمرار في احتلال هذه الجزر العربية من شأنه تعكير صفو الامن والاستقرار في منطقة الخليج وان يساهم هذا بدوره في تردي العلاقات العربية ـ الايرانية بشكل عام. وبغض النظر عن مقولات كل جانب من اطراف الخلاف، فان هنالك نموذجين لا ثالث لهما لحل الخلاف:

أ ـ النموذج الاول:

هو اللجوء الى قوة السلاح في محاولة لحسم الخلاف، وهذا هو النموذج الذي فرض في الخليج والذي ادى الى الدمار والويلات على طرفي الخلاف الكويت والعراق خصوصا وقبل ذلك الحرب العراقية الإيرانية، بل وما زالت المنطقة بأسرها تعاني من آثارهما المأسوية إلى يومنا هذا.

ب ـ النموذج الثاني:

هو اللجوء الى الحوار والتفاوض ثم التحكيم الدولي، وهذا هو الاسلوب الحضاري والسلمي الكفيل في حل المشاكل العالقة كما حصل لتسوية الخلاف على الحدود بين السعودية وقطر وسلطنة عمان مع كل من الامارات والسعودية، والسعودية والكويت والسعودية واليمن ثم بين قطر والبحرين عن طريق محكمة العدل الدولية في لاهاي.

ان القيادة في دولة الامارات العربية المتحدة لا تزال تناشد الجارة ايران قبول مبدأ التفاوض والحوار السلمي لحل قضية الجزر العربية. كما ان على ايران قبول لغة الحوار والتفاهم كاسلوب لحل المسائل العالقة ونبذ اسلوب الغطرسة والاستعلاء في التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي، وان لا يساء الى روابط الدين والتاريخ التي تربط بين العرب وايران، ولا بد لايران من اعتماد سياسة بناء جسور الثقة وحسن الجوار والقيام بمشاريع اقتصادية مشتركة مع شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي لما فيه مصلحة شعوبهم جميعا.

ثانيا: برنامج التسلح المكثف الذي يجري في ايران فليس له ما يبرره في هذه الظروف البالغة الحساسية، وحيث انه لا يوجد في الخليج العربي من يستطيع ان ينافس ايران عسكريا، خصوصا بعد تجريد العراق من الاسلحة الهجومية واخضاعه لبرنامج مراقبة دولية، فإِن السؤال الذي يفرض نفسه هو: لمن وضد من سوف تحتاج ايران الى هذه الكمية والنوعية من الاسلحة؟ اوليس الاصلاح الاقتصادي في ايران اولى بهذا الإنفاق كما يقول بعض المختصين في الشؤون الإيرانية؟

أما دول مجلس التعاون مجتمعة لا يمكن ان تعادل قوة ايران العسكرية ولا ان تكون سببا وراء برامج التسلح الايراني. ان على ايران ان تدرك بان برامج تسلحها هي التي ستدفع دول مجلس التعاون الى شراء المزيد من الاسلحة وطلب الحماية من الدول الكبرى، وهو ما تعارضه ايران.

اننا لسنا ضد سعي ايران لتسليح نفسها وفق برامج تتناسب مع احتياجاتها للدفاع عن نفسها ولردع اي عدوان محتمل ضد اراضيها، فهذا حق مشروع لها ولكل دولة للحفاظ على سيادتها وصيانة امنها. ولكن الاستمرار في بناء ترسانة من الاسلحة غير التقليدية هو امر يثير التحفظات والمخاوف من نيات ايران نحو جيرانها، الامر الذي من شأنه ان يدفع المنطقة الى ســــباق تسلح مكلف ولا يخدم مصالح جميع الاطراف المعنية.

ان على صانعي القرار السياسي اختيار الطريق المناسب، أما سياسة تبديد المخاوف وبناء جسور الثقة والاطمئنان مع دول مجلس التعاون، وهذا ما نتمناه، او اختيار سياسة ستؤدي الى زيادة حدة التوتر والازمات والتي لا يمكن ان يجني ثمارها الا اسرائيل والدول الكبرى وشركات بيع الاسلحة.

ان الشعوب في دول مجلس التعاون الخليجي تأمل وتتمنى في ان يصغى صانعو القرار في ايران الى لغة العقل والمنطق وان يمدوا ايديهم لمصافحة اشقائهم قادة دولة الامارات العربية المتحدة لحل المشاكل التي يعتبرونها، وكما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، (مشاكل ضئيلة وغير اساسية)، وان يضيعوا الفرصة على المتربصين من اعداء الاسلام بزرع بذور الفرقة والانقسام.

ثالثا: أما موضوع تدخل ايران في الشؤون الداخلية لدول الجوار فلا بد من القول ان ايران اليوم هي ليست ايران الامس، وانها قطعت اشواطا بعيدة في هذا المجال ولم تعد تتبنى او تدعم «تصــــدير الثورة» للدول المجاورة، وهذا تطور ايجابي سوف يســــاهم في تقليص الهوّة بين دول الخليج العربي وايران.

رابعا: إن سياسة ايران النفطية هي اليوم اقرب من اي وقت مضى الى السياسة النفطية لدول مجلس التعاون الخليجي، بحيث تراعي ايران مصالح شعبها وتحاول ان تحقق اكبر قدر من الفوائد بدون الاضرار بمصالح دول الجوار، وهذا لن يكون موضوع اختلاف بين دول الخليج وايران لا سيما انه يخدم مصلحة الجميع. فهل يعلو صوت العقل ليسود السلام في المنطقة بأسرها.

* كاتب من السعودية