شارون يتحدى الدول العربية والمجتمع العالمي .. وآن الأوان لتحرك عربي جدي

TT

في الوقت الذي تنهال فيه قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدن ومخيمات قطاع غزة والضفة الغربية قصفاً وهدماً للمنازل والمحال التجارية، وتغتال المواطنين الفلسطينيين يومياً، قرّر شارون الإفصاح عن برنامجه السياسي.

أي أن شارون استخدم التصعيد العسكري الإسرائيلي الوحشي، كمنصة لإعلان آرائه وآراء حلفائه في الحكومة حول ما سيطرحه على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين.

لكن الأمر يتعدى ذلك في أبعاده الخطيرة.

فقد سبق أن أعلن شارون عن مواقفه السياسية، التي يمكن تلخيصها بالقول إنه يريد الإبقاء على الوضع الراهن كما هو. أي أن تبقي إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال، وأن تبقى السلطة الفلسطينية مسؤولة عن تنظيم السير والشؤون البلدية في المناطق التي تسيطر عليها حالياً من الداخل، وهي بطبيعة الحال، كما هو معروف، مناطق محاصرة ومعزولة عن بعضها البعض، ولا يمكن للفلسطيني أن يتنقل بينها، أو أن يتحرك خارجها، أو خارج البلاد، أو العودة إليها، إلا بتصريح من المخابرات الإسرائيلية.

سبق لشارون كما قلنا، أن أعلن عن رأيه وتصوره للحل. فما هو الجديد، الذي أثار زوبعة سياسية وردود فعل عربية وفلسطينية وكأن الأمر كان مفاجئا.

برأينا، ان توقيت حديث شارون للصحافة جاء كضربة استباقية للجهود الأميركية المصرية الأردنية، التي تم الاتفاق على القيام بها من أجل تهدئة الأوضاع والشروع في المفاوضات السياسية. من ناحية كان شارون قد أعلن مراراً، انه لا يمكن أن يقبل بالشروع بالمفاوضات ما لم يتوقف العنف. وقام باصدار الأوامر بتصعيد الاعتداءات العسكرية الوحشية على الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، كما جرى في مخيم خان يونس وكما جرى في رفح، وذلك كي يفشل محاولات اللجنة الأمنية المشتركة، التي اجتمعت بناء على إلحاح أميركي ومصري وأردني، وبحضور أميركي. ذلك لأنه لا يريد للعنف «ومصدر قوات الاحتلال الإسرائيلية» أن يتوقف كي لا يضطر للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

أراد شارون أن يتحاشى الخوض في مفاوضات سياسية أطول فترة ممكنة، وأن يستغل الوقت في توجيه الضربات العسكرية الوحشية ضد الفلسطينيين. كي يدفعهم تحت هذا الإرهاب الوحشي للبدء في المباحثات السياسية من النقطة التي يريدها هو وإلى النهايات التي رسمها هو.

وبما أن المشروع المصري الأردني هو مشروع ذو شقين متلازمين ومتزامنين: اي شق أمني وشق سياسي، وبما أن الولايات المتحدة أعطت دعمها للجهود المصرية الأردنية، فقد لجأ شارون لتوجيه ضربة سياسية استباقية عبر حديثه، الذي أكد فيه سقف مشروعه للاتفاق مع الفلسطينيين.

فقد أعلن شارون ذلك قبل أن تستكمل الجهات الأمنية بحضور الولايات المتحدة، بحثها في آلية متوازنة لتطبيق تفاهم شرم الشيخ لتهدئة الأوضاع وإعادة القوات الإسرائيلية لمواقعها السابقة، أي مواقع ما قبل 28 سبتمبر (أيلول) من العام 2000.

وكذلك فقد وقّت الحديث الصحافي الذي حدد فيه شارون سقف مساحة الأرض التي سيقبل بأن تعاد للفلسطينيين باثنين واربعين في المائة من مساحة الضفة الغربية (أي تلك المساحة التي تخضع الآن للسلطة الفلسطينية وتسمى مناطق أ)، وقّت، بحيث ينشر قبل زيارة وزير الخارجية الأردني عبد الإله الخطيب لتل أبيب، التي كان مقررا لها ان تتم يوم أمس الاثنين.

ومن المفترض أن يقوم وزير الخارجية الأردني ببحث المشروع المصري الأردني ذي الشقين المتلازمين الأمني والسياسي.

لذلك فقد وضع شارون سلفاً سقفاً لما يمكن للمفاوضات (حسب رأيه) أن تصل إليه ان بدأت.

هكذا يكون شارون (حسب اعتقاد مستشاريه) قد أحكم فكي الكماشة:

فك أمني، هو المطرقة العسكرية الوحشية التي تنهال على الفلسطينيين يومياً، قتلاً وهدماً وتشريداً.

وفك سياسي، هو تحديد سقف لأي عملية تفاوض قد تبدأ (إذا بدأت) قبل أن تبدأ مصر والأردن في بحث مشروعهما الذي أقرّته الإدارة الأميركية. فكّا الكماشة الشارونية حسب اعتقاد مستشاريه، ستبقي الأوضاع على ما هي عليه الآن.

أي الحصار الاقتصادي سيستمر وان الهجمات العسكرية الوحشية ستستمر وان حجز أموال السلطة سيستمر إلى أن يصاب الفلسطينيون باليأس والإحباط، ويذعنون لما يريده شارون.

ويعتقد مستشارو شارون ان رسائله غير المباشرة التي وجهها لدول عربية محددة عبر الولايات المتحدة وعبر الاتحاد الأوروبي قد حيدت أي ثقل عربي. بحيث يستمر شارون وجيشه في الاستفراد بالشعب الفلسطيني دون أن يهب لنصرته أو دعمه أي من الدول العربية. وكلام مستشاري شارون هذا كلام خطير، غاية في الخطورة. ويردد كل من موشيه ارينز وزلمان شوفال، ان الإدارة الأميركية وعدت بعدم التدخل لفرض أي حل أمني أو سياسي على إسرائيل!.

وان هذا يعني اعطاء الحكومة الإسرائيلية فرصة من الوقت كبيرة كي تؤدب الفلسطينيين وتعيدهم إلى حجمهم وتقلص توقعاتهم.. وحسبما يقول موشيه ارينز، وهو كما يبدو يقوم بدور المساعد الأول لشارون في رسم سياسته تجاه الفلسطينيين. فإن الإدارة الأميركية لا تنوي فعلاً الانغماس في عملية السلام في الشرق الأوسط، وانها نصحت الدول العربية بالتروي وعدم اتخاذ مواقف حادة تجاه إسرائيل. هذا ما يقوله مستشارو شارون. أما ما يجري على ارض الواقع فهو غريب ومستهجن.

فالشعب الفلسطيني يعاني الأمرّين حصاراً وتجويعاً وقصفاً. ولا نرى أحداً في العالم العربي يحرك ساكناً لنصرته. يسمع الفلسطينيون مواقف تأييد من هنا وهناك، لكنهم لا يرون ولا يلمسون دعماً حقيقياً، بل انهم لا يرون تحركاً لوضع الحكومة الإسرائيلية عند حدها أو للجمها عن الاستمرار في القصف والتدمير والتهجير. كما لم ير ولا يرى الفلسطينيون دعماً مادياً وعدوا به من قبل القمتين العربيتين اللتين عقدتا في كل من القاهرة وعمان. لا بل اكثر من ذلك، فالفلسطينيون يشعرون بأنهم تحت حصارين حصار اسرائيل وحصار رسمي عربي.

هذا الشعور السائد في الشارع الفلسطيني يجب ألا يستمر طويلا، والكفيل بعدم استمراره هو تحرك عربي جدي وفوري واستخدام اوراق عربية ضاغطة فعلياً وليس لفظياً. فاستمرار هذا الشعور ستكون له عواقب وخيمة، سواء من الناحية السياسية أو الناحية الأمنية.

فالوضع يبدو وكأنما الفلسطيني يدفع نحو زاوية اليأس والإحباط دفعاً.

والأخطر الذي قد ينتج عن هذا الحشر في الزاوية، هو نوع من الشعور بأن هنالك نوعاً من التناغم بين حلول شارون (التي تلغي تماماً فكرة السلام القائم على أساس الشرعية الدولية وقيام دولة فلسطينية مستقلة) وبين من لا يريدون أن يكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة ـ وهم ليسوا قلة في العالم العربي.

نقول إن استمرار هذا الشعور خطير، وقد يتراكم وقد تنتج عنه تفجيرات لا تحسب عقباها، ليس في فلسطين وحدها بل ربما في أماكن أخرى في الشرق الأوسط والعالم.

ونقول إن العمل على إزالة هذا الشعور هو ضرورة ملحة وقصوى ولن يأتي هذا إلا عندما يشعر الفلسطينيون بأن هنالك تحركاً عربياً جاداً وفاعلاً، أي عندما ترى الجماهير العربية والفلسطينية ان الدول العربية بدأت بالفعل بالزجّ بثقلها الاقتصادي والسياسي في هذه المعركة، معركة التطهير العرقي التي يشنها شارون ضد الشعب الفلسطيني.

والزج بثقل العرب في المعركة ليس أحجية وليس بحثاً أكاديمياً، بل ان معادلته واضحة كل الوضوح. المعادلة هي ان يوضح لإدارة الرئيس بوش بأن المصالح العربية الأميركية المتبادلة لا يمكن ان تجيز او ان تستمتع باستمرار الصمت الأميركي على ما يفعله شارون.

وان تفهم الدول العربية ادارة الرئيس بوش بأن الصمت على ممارسات الاحتلال الوحشية واستمرار هذا الاحتلال سيقوضان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وان العرب يطلبون من الإدارة الأميركية موقفاً حازماً وفورياً لوقف المذابح والتدمير والتهجير هذا من ناحية.

لكن المهم أيضا، هو ان تستند الدول العربية لما جرى من جرائم حرب ضد الفلسطينيين ولما يعلنه شارون ووزراؤه يومياً للطلب من الولايات المتحدة أن تعلن مجدداً وبوضوح أنها ملتزمة بتطبيق قرار 242 وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، التي احتلت عام 1967 وانها تقف إلى جانب نيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وعلى رأسها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.

ونحن لا نقول هذا لاعتقادنا بأن شارون سيتمكن من فرض ما أعلنه سياسياً وأمنياً على الفلسطينيين، نقوله لأن على الدول العربية ألا تسمح لشارون وحكومته بالاستفراد بالشعب الفلسطيني وان تبقى هي والحليف الأكبر الولايات المتحدة، مكتوفي الأيدي.