الذيل.. أولاً

TT

بعث لي احد الإخوة ممن حباهم الله (باللطف وتأنيب الضمير)، برسالة لا يستشيرني أو يأخذ وجهة نظري بمضمونها، ولكن ليبرئ نفسه بقدر ما يستطيع ـ هذا لو انه كان بريئاً ـ يقول: إنني اقطن (كمباوند) أي مجمع سكني به 20 فيلا، رجعت ذات يوم إلى المنزل ولم أجد (زعتر) وهو كلب من نوع (رتوايلر) المعروف بضخامة حجمه، بحثت عنه طويلاً، وأخيراً وجدته بجوار إحدى فلل الجيران يلعب وفمه ممتلئ ويخرج منه شيء ابيض صغير، وباقترابي منه، وجدته ذيل أرنب الجيران التي تقتنيه جارتنا وكانت تحتفظ به داخل قفص بالحديقة الصغيرة جوار منزلها، وبمحاولات جاهدة أخذت الأرنب من فمه وكان في سابع موتة ملطخاً بالدم والتراب، فذهبت إلى زوجتي مقترحاً أن اذهب إلى شراء أرنب آخر لهم على أساس أن كلبنا هو الذي قتل أرنبهم، وان تذهب هي للاعتذار لجارتنا التي كانت تعمل في احد المستشفيات كممرضة وذلك عند عودتها من العمل، غير أن زوجتي كان لها رأي آخر مخالف لرأيي تماماً، فقد أخذت الأرنب وغسلته جيداً في حوض المطبخ، ونشفته (بالسشوار)، وألصقت به ذيله بالصمغ الجيد، وأعطتني إياه لإعادته، مشيرة إلى أن هذا الأرنب عزيز على قلب جارتنا الطيبة قبل عودتها من العمل، وأردفت تقول لي: ما لنا شغل، وعلينا ألا نأتي بأية سيرة لكلبنا (زعتر)، وعلينا أن نربطه، وفعلاً ربطناه، وأعطينا الأرنب للخادمة التي (تسللت) إلى حديقة الجيران في غيابهم ووضعت الأرنب داخل القفص، وأفادت عند عودتها أنها أوقفت أيضاً أذنيه، ليبدو نائماً، أو كأنه أصيب بسكتة قلبية. وعند المغرب وإذا بنا نسمع صياحاً ولغطاً وتخبيطاً، فجزمنا أن جارتنا اكتشفت موت الأرنب ومن شدة حزنها عليه هي تفعل ذلك، غير أننا فوجئنا بزوج جارتنا يأتي إلينا ويعطيني رقم تلفون ويطلب مني الاتصال بالمستشفى الذي تعمل فيه زوجته ليأتي طبيب لإسعافها، وفعلاً اتصلت وحضر الطبيب، غير انني من قلقي عليهم لم أطق صبراً فذهبت إليهم وأنا في غاية الاستغراب من هذا الحزن الشديد وغير المبرر والمنطقي على موت مجرد أرنب، وعندما وصلت وإذا بالزوجة ممددة على الأرض ترفس وتنتف شعرها، فقلت لا شعورياً: لا حول ولا قوة إلا بالله، المهم أن الطبيب أعطاها حقنة مهدئة، نامت على إثرها، وفي صباح اليوم التالي وكان يوم عطلة، أفقنا كذلك على زعيق وصياح، فما كان مني إلا أن انفرد بالزوج وأأخذه على جنب محاولاً إقناعه أن القضية برمتها لا تستاهل كل هذه (الدراما)، وان على زوجتك أن تحتسب بالله، غير أنني فوجئت بالحقيقة التالية التي لم أتوقعها: أولاً: أن الأرنب مات ميتة طبيعية، وان زوجته هي التي دفنته بنفسها بالحديقة، غير أنها تستغرب وتستعجب كيف أن الأرنب بعد أن دفنته عاد للقفص مرّة أخرى، فإما أن يكون الأرنب (جني)، أو أن منزلنا تسكنه الجن، وهي مصرة على استبدال المسكن.

ويقول لي صاحب الرسالة: اختصاراً للقصة أن جيراننا رحلوا عن منزلهم واستأجروا سكناً آخر، وضحوا بسبعة اشهر هي باقي إيجار منزلهم، والآن ضميري يؤنبني فلم اقل لجاري عن قصة كلبنا زعتر، ولا قصة زوجتي، وحوض الغسيل، والسشوار، والخدامة، ولصق الذيل وتوقيف الآذان، فماذا أفعل؟!

وردي على صاحب الرسالة هو: فلتتحول زوجتك إلى أرنب، وأنت تحول إلى زعتر، وأول ما تبدأ به، ابدأ بالذيل ولا يهمك.

[email protected]