الماغوط.. بين سيوف الحزن والعزلة

TT

مات الشاعر والكاتب المسرحي محمد الماغوط، الذي يقال أن المسرح العربي في حقبتي السبعينات والثمانينات قد خرج من محبرته.. مات مؤلف «غربة» وضيعة «تشرين» و«كأسك يا وطن»، وبموته نوشك أن نلامس نهاية المبدعين الاستثنائيين الكبار في عالمنا العربي، هذا العالم الذي داهمه العقم فعجز عن تعويض الراحلين، ولست أدري كم من السنين علينا أن ننتظر ليجود الزمان بمثل الماغوط.

ويعرف عن الماغوط أنه ناضل كثيرا من أجل حرية إبداعه، فهو لم يكتب إلا ما أراد، ولم يحلم إلا بما أراد، ودفع ثمن ذلك باهظا بكل نبل وإخلاص، فعاش تجارب السجن والعزلة والغربة حتى أسلم الروح يوم الاثنين الماضي في أحد مشافي دمشق تاركا خلفه تجربة إبداعية فريدة من أبرز سماتها الصدق والبراءة، وذلك ما اكتشفه نزار القباني مبكرا في الماغوط حينما تعرف عليه لأول مرة في أحد مقاهي دمشق في الخمسينات ليبكي نزار على كتفي الماغوط وهو يقول له: «أنت أصدقنا وأبرأنا.. أنت شاعر كبير وستبقى كبيرا ولن تنتهي».. والماغوط الذي جرب العزلة طويلا والضجر كثيرا يقول مخاطبا زوجته الراحلة:

«آه يا حبيبتي..

الآن يكتمل جنوني كالبدر..

كل أسلحتي عفا عليها الزمن..

كل صحبتي تفرقت..

وحججي فنّدت،

وطُرَفِي استنفدت،

ومقاهيّ تهدمت،

وأحلامي تحطمت،

ولم يبقَ لي إلا هذه اللغة فماذا أفعل بها؟!»

ويصف الصحافي والأديب أُبيّ حسن عزلة الماغوط بأنها عزلة لها طعم ورائحة بامتياز، وأن كثافتها في الأفق تقف حائلة بين صاحبها والحياة، ويروي تجربة له مع الماغوط فيقول: «منحت مؤسسة العويس جائزتها السنوية إلى الشاعر والأديب محمد الماغوط، تقديراً منها لجهوده الإبداعية والأدبية. وبهذه المناسبة اقترح عليّ أحد الأصدقاء إجراء حوار معه، عسانا بذلك نشارك في تكريمه على طريقتنا وفي حدود إمكاناتنا المتواضعة والخجولة. هاتفت الماغوط ثاني يوم (وأنا أدرك حالته النفسية)، فوعدني خيراً.. هاتفته ثاني يوم، فقبل زيارتي لكن دون حوار.. وفي ثالث يوم هاتفته فيه كي اعلمه بقدومي سألني ببراءة طفل: «من انت؟ شو بدك مني؟ انت بتعرفني شي؟».

والخلاصة: إذا كان شهادة وفاة الماغوط تحمل التاريخ «الاثنين 3 إبريل 2006» فإن الماغوط قد قتل بسيوف العزلة والغربة والحزن قبل هذا التاريخ ألف مرة.

[email protected]