خطورة الصمت العالمي

TT

التصعيد الاسرائيلي الاخير على تراب لبنان وضد جنود سورية، برغم استمرار لغة الحوار التي ابقت عليها مع تل ابيب كل من القاهرة وعمّان، حقائق ساطعة تؤكد ان اي صيغة تعايش تتكلم عنها القيادة الاسرائيلية انما هي صيغة عديمة التوازن فارغة من اي معنى.

اسرائيل كما تفعل، لا كما تقول، تريد فعلياً النصر الكاسح والساحق والدائم. وهي عندما يخطر ببالها التحدث عن السلام، فهو سلامها هي، بشروطها هي، وتعريفها هي. هي التي تصفه وهي التي تحدده وهي التي تكفله وهي التي تلغيه. انه سلام المنتصر بعضلاته وعضلات غيره على جيران لا تشعر مع معاناتهم بأي تعاطف، ولا تريد اساساً ان يكون بينها وبينهم اي علاقة خارج «معادلة» القوي والضعيف.

إزاء وضع كهذا، لا يصح ان تختار القوتان الاهم في المجتمع الدولي «التغيّب» عن معضلة المنطقة عن طريق نفض الايدي، والتذرع ان ليس من مهامها فرض سلام اقليمي.

وإذا كان من الممكن مسايرة هذا المنطق المغلوط بالإحجام عن استخدام كلمة «فرض» فلا اقل من ان يكون هناك «اهتمام» بهذا الشكل من اشكال السلام و«السعي» اليه.

فالولايات المتحدة، بجانب كونها القوة العالمية العظمى الوحيدة الآن، حليف استراتيجي لإسرائيل، بمقدورها إذا ارادت ضمان امن اسرائيل وامن جيرانها ايضاً. وعند الولايات المتحدة الصنبور الجاهز للفتح والغلق في مجالات التكنولوجيا وتصدير السلاح المتطور وتقديم التسهيلات الاقتصادية المفتوح. وبالتالي فهي قادرة تماماً على ان تحتفظ بالعصا والجزرة، وبالتهديد والترغيب لكل اللاعبين الاقليميين. لكنها في مواقفها المعلنة تلغي دورها التوسطي عامدة متعمدة.

ثم هناك الامم المتحدة، الوجه الشرعي المقبول للنظام العالمي الجديد، وهي تستطيع ان تلعب دور «جهاز امتصاص الصدمات»، الا انها بدورها تبدو كأنها محكومة بسياسة تمليها حسابات الاقوياء من اعضائها الفاعلين.

الواقع ان اميركا تملك مفاتيح وقف التدهور الحالي. وهي إن ارادت، لوفّرت كل مقومات الديمومة لتسوية تأخذ في الاعتبار مستقبل المنطقة على المدى الطويل. لكننا مع الاسف بعيدون اليوم بالذات كل البعد عن هذا الاحتمال. وهذا يعني ان المجتمع الدولي بقوتيه الضاغطتين مادياً (الولايات المتحدة) وشرعياً (الامم المتحدة) يتغاضى متعمداً عن فتيل تفجير خطير. واخطر ما فيه انه سيعيد التناقض حقاً من ميدان المواجهة السياسية العسكرية الى المواجهة الحضارية بكل ما فيها من منزلقات الاستقطاب والتعصب والإلغاء. كما يعني ان المجتمع الدولي يقر متطرفي اسرائيل، مثل آرييل شارون، بأنهم على حق في إلغاء الآخرين بقوة السلاح.