«الحزب السياسي» في تجربة الإخوان المسلمين: حالة «الإصلاح» و«الأمل» و«الوسط»

TT

جدد فوز جماعة الإخوان المسلمين بـ17 مقعدا في مجلس الشعب المصري قضية انطرحت مرارا في السنوات السابقة وهي فكرة تشكيل الجماعة لحزب يستوعب خبرتها السياسية منذ 1984 بصورة علنية وشرعية. غير أن قيادة الجماعة، رغم مسيرتها التصاعدية في إثبات شرعيتها الواقعية وانتشارها الشعبي، تظل متحفظة على اتخاذ هذه الخطوة عمليا بحجة أن الظروف السياسية غير موائمة، على ضوء التضييق الشديد والملاحقة الأمنية التي يتعرض لها أعضاؤها البارزون منذ مستهل التسعينات حتى الآن. ويلحظ المراقب، بهذا الصدد، خطابين متوازيين للجماعة: أحدهما (علني) يطالب الحكومة المصرية بضرورة الاعتراف بالجماعة ككيان كلي، أو حزب سياسي، وآخر (داخلي) ينظر لتجربة تشكيل الحزب بتحفظ، وبمبررات يحوطها التكتم، سوى مبرر «عدم ملاءمة الظروف» الذي يقدم بعمومية لأعضاء الجماعة المتسائلين. وبمتابعة مسيرة الخطابين معا في فكر وتجربة الجماعة في العمل السياسي، سواء عبر تحالفاتها مع «الوفد» في 1984 و«العمل» و«الأحرار» في 1987، أو عبر مشاركتها المستقلة في 1995 و2000، يمكن أيضا فهم تفاعل وتطور الجماعة مع مشاريعها الحزبية، بدءا بتجربة «الإصلاح» وانتهاء بـ«الوسط»، وتداعيات ذلك على كيانها الداخلي، سواء على مستوى القيادات أو الأعضاء.

فكريا، لا يزال الجدل مثارا حول حقيقة موقف مؤسس الجماعة حسن البنا من الحياة الحزبية، وذلك على ضوء تعبيراته التي احتملت معنيين سلبيين نحوها، حيث إما أنه قصد تقرير تحريم الإسلام للحزب وذم نظام تعدد الأحزاب في كل الحالات وأيا كانت صوره وأشكاله، وإما أنه تحفظ فقط على ممارسته السلبية في مصر، ضمن الظروف السياسية التي كانت سائدة في وقته، والتي كانت تتطلب «تعاون الجهود وتوافر القوى والاستقرار الكامل والتفرغ التام لنواحي الإصلاح»، ولم يكن ضد الفكرة من حيث المبدأ. ويستشهد د. إبراهيم البيومي غانم في كتابه «الفكر السياسي للإمام حسن البنا» بقول البنا: «أعتقد أن الحياة الحزبية السياسية إن جازت في بعض الظروف، في بعض البلدان، فهي لا تجوز في كلها، وهي لا تجوز في مصر أبدا، وبخاصة في هذا الوقت الذي نستفتح فيه عهدا جديدا» ص (312)، كي يرجح الرأي الثاني. البنا والحزبية في مصر لكن نفس العبارة قد تعني العكس تماما لسببين، أولا: أنه إذا كان البنا يقصد بالحياة الحزبية، التحزب والتعصب الذي يسفر عن الفرقة المذمومة، فإن ذلك لن يصلح عمليا في أي ظرف، ولا لفي أي بلد، سواء مصر أو غيرها. ثانيا: أن البنا قال «لا تصلح لمصر (أبدا)» ـ أي بصورة عامة ـ ثم أعقب ذلك بقوله: «خاصة في هذا الوقت»، بمعنى أنه لم يحصر عدم الصلاحية بزمنه، وإنما ذكره نموذجا لتوضيح موقفه من الحياة الحزبية مجملا. وبصرف النظر عن تفاصيل موقف البنا من الحياة الحزبية، فإن مشاريع الإخوان الحزبية، سواء «الإصلاح» أو «الوسط»، دلت على أن الجماعة لم تعد تستبعد طرح نفسها ضمن وعاء حزبي خاضع لبرامج تفصيلية معلنة تتجاوز عموميات الماضي، وهو بلا شك تطور واضح في فكرها وأدائها، من دون أن يعني ذلك تلقائيا حل كيان الجماعة لصالح الحزب.

لم تكن فكرة المشاركة السياسية توجها محسوما بين عدد من قيادات مكتب الإرشاد نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، وإنما مرت مرحلة الاقتناع بمخاضات دفعت لها ظروف الانفتاح السياسي الذي استؤنف في عهد السادات في 1976، ووجود عمر التلمساني على رأس قيادة الحركة. ويكاد الأعضاء المبرزون في الإخوان يجمعون على أن التلمساني كان طرازا مختلفا عمن سبقوه في طريقة التفكير ورؤيته لمستقبل الجماعة. وكان يعتقد بأن المرحلة المقبلة تتطلب حل ما كان يسمى بـ«النظام الخاص»، وتأكيد نبذ العنف، ضمن حالة أشبه ما تكون بالتبرؤ من الخطاب «القطبي» الذي تجذر لدى معتقلي 1965 عبر «معالم على الطريق» و«في ظلال القرآن». كان التلمساني يبحث للجماعة عن مكان داخل مساحات الدولة، بما في ذلك مساحة السلطة التشريعية، ومؤسسات المجتمع المدني. وكان ينتظر فرصته السانحة، ولم يتهيأ له ذلك إلا في منتصف الثمانينات، حيث لم تكن الحركة قد استأنفت بعد بلورة هيكلها التنظيمي فترة تعايشها مع السادات بسبب قرب خروجها من المعتقلات، ولم تكن قد اكتملت بعد «شرعيتها الواقعية» داخل نسيج المجتمع بأسره، إلا ربما على مستوى الحركة الطلابية، التي سمح لها النظام بالتنامي والتضخم لاعتبارات خاصة بموازين القوى. وكان لتطور الحركة الطلابية بصورة طبيعية، لم تتعثرها فترات اعتقال وتعذيب كالتي سادت في الخمسينات والستينات، دور حاسم في ما بعد لدفع قيادة الجماعة لمناقشة وقبول فكرة الحزب السياسي، كمشروع سلمي يكتسب شرعيته وينضوي تحت مظلة الدولة. النقابات بداية المشاركة السياسية في 1983 بدأ التلمساني يطرح على مكتب الإرشاد فكرة المشاركة السياسية في انتخابات 1984، مستفيدا من أجواء التعايش التي ميزت السنوات الأولى بين الإخوان ونظام مبارك، أي بعد عامين فقط من خروجه من سجن اعتقالات سبتمبر 1981. أثناء هذين العامين، كان التلمساني قد نجح في مد جسور التواصل مع كافة القوى السياسية والانفتاح على الغير. تزامن مع ذلك ابتداء مرحلة جديدة من وجود خريجي السبعينات من الإخوان في مختلف النقابات كالأطباء والمهندسين. وواجه التلمساني معارضة شديدة من معظم قيادات المكتب على فكرة المشاركة في الانتخابات، فضلا عن فكرة التحالف مع «الوفد» صاحب الخصومة التاريخية اللدودة.

عزز دخول الإخوان لاول مرة مجلس الشعب في 1984 وفي نقابات الأطباء والصيادلة وطب الأسنان والمهندسين والعلميين، من فكرة إنشاء الحزب. ودفع بالفكرة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي برع في العمل العلني خلال فترة الجامعة وفي نقابة الأطباء، واعتاد آليات الترشيح والاقتراع. وصدر قرار داخلي بإنشاء «حزب الإصلاح المصري» بعد عامين من المناقشة ودراسة تجربة الإخوان السياسية في أقطار أخرى كاليمن والأردن، وتجارب الإسلاميين القريبين في تركيا حزب «الرفاه»، وباكستان «الجماعة الإسلامية». وطرح الحزب برنامجا مفصلا حول مختلف الشؤون السياسية (المحلية والخارجية) والاقتصادية، الزراعة، والطاقة، والصناعات الصغيرة والمغذية، والديون، والتنمية التكنولوجية..الخ (والاجتماعية) الأسرة والمجتمع، والبطالة، وإدمان المخدرات، والإسكان، والشباب والرياضة..الخ، والتعليمية، التعليم الفني، والتعليم العالي، والثقافة والإعلام، وثورة الاتصالات..الخ، فضلا عن مواقفه من قضايا هامة خاصة بسلطة رئيس الجمهورية، والقوات المسلحة والجيش. واقتبس «حزب الوسط» العديد من هذه البرامج، مثل مشكلة البطالة، ومشكلة المياه في مصر والمنطقة العربية، بصورة تكاد تكون حرفية.

بدأ برنامج «حزب الإصلاح»، الذي لم يقدم إلى لجنة الأحزاب بصورة رسمية حتى الآن، بتمهيد تقليدي عن أهمية بناء الإنسان روحا وضميرا «قبل أن نتعامل معه بالإداريات والتشريعات والقواعد التنظيمية» فحسب، ثم استفاض في فصله التالي حول «الحقوق والحريات»، فذكر في بنوده: حرية المواطنين، وكفالة العدالة، ومنع جميع صور الظلم، والمساواة بين المواطنين (مسلمين ومسيحيين). وفي تعبير ذي دلالة زاوج الحزب في فصله عن الحريات بين الديمقراطية والشورى باعتبارهما مترادفتين، فقال: «إن تطبيق الديمقراطية وترسيخها، وتعميق الشورى في كل مؤسسات المجتمع هو الضمان للمشاركة الشعبية الفعالة..». وطالب بأن تكون الشورى «ملزمة» للقيادة، وهو توجه لم يكن البنا يطبقه في كيفية إدارته للجماعة، على اعتبار أن الشورى لديه كانت «معلمة»، كما لا تطبقه قيادة الجماعة اليوم مع قاعدتها العريضة في القضايا المركزية، ذات الصبغة السياسية، كقرار خوض الانتخابات التشريعية من عدمه، الذي يترك شأن حسمه لمكتب الإرشاد. وفي ما يتعلق برئيس الجمهورية، يرى الحزب «ضرورة تعديل نص المادة (76) بحيث يصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الفردي المباشر»، ويرى «ضرورة العودة إلى نص الأصل للمادة (77) من الدستور قبل تعديلها في عام 1980 بحيث يصبح من الجائز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة واحدة فقط بعد المدة الأصلية»، ويرى أيضا أن ست سنوات لمدة الرئاسة مدة أطول مما يجب «ويكفي أن تكون مدتها أربع سنوات تجدد لمدة واحدة فقط». وهي نفس المدة تقريبا التي تتوافق مع فترة انتخاب قيادات الجماعة، بما في ذلك المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد وبقية المكاتب والأقسام الإدارية.

وعلى الرغم من أن قرار الفصل بين كيان الجماعة والحزب كان واضحا منذ البداية، واعتبار الثاني امتدادا للأول وليس العكس، إلا أن القيادة أجلّت موعد تقديم «حزب الاصلاح المصري» إلى لجنة الأحزاب إلى حين فرز وتحديد هوية أعضاء الحزب وما إذا كانوا سيكونون من المشايخ القدامى، أم من شباب النقابات، بالإضافة إلى حسم التوقيت المناسب للخروج بالحزب علنا، تقليصا لاحتمالات رفضه من الحكومة. وبرغم وجاهتها، فإن هذه المبررات لم تكن كافية في نظر بعض القيادات الشابة التي بدأت تحرز تقدما متزايدا في النقابات المختلفة، وتثبت وجودها عبر إنجازاتها، التي ناهزت إنجازات الدولة ذاتها، كما تجلى ذلك في زلزال 1992. كانت هذه القيادات تدرك حجم التضييق الأمني الذي تتعرض له الجماعة، خاصة بعد نجاح النظام في تصفية جماعات العنف في النصف الأول من التسعينات. لم يلق «حزب الأمل» الذي تقدم به مؤسسه النقابي محمد السمان إلى لجنة الأحزاب في 1994، اهتماما إعلاميا مثلما لقي «الوسط»، بالرغم مما في فكرته وتوجهاته من جوانب ملفتة. أولا، كانت وراء فكرة «حزب الأمل» نفس المجموعة الشبابية التي دفعت باتجاه تأسيس «حزب الوسط». وكان التدثر بالسمان على أنها «مبادرة فردية»، مجرد مناورة ذكية لجس نبض القيادة إزاء الإجراء عموما. ثانيا، أن توقيت إنشاء الحزب جاء نتيجة التضييق الحكومي الذي طال النقابات المهنية، سيما نقابة المهندسين. ثالثا، أن الـ50% من فئة العمال التي يتكون منها الحزب التزاما بقانون الأحزاب، كانت من الحرفيين (مثل السباكين والنجارين..الخ) الذين استقطبهم السمان مع عمله كمقاول هندسي، ولم تكن من عمال المصانع أو فلاحي الأرض، وبالتالي كان «الامل» أول حزب إسلامي ينحاز لهذه الفئة من طبقة العمال إلى جانب انحيازه للمهنيين من الطبقة الوسطى. رابعا، أن الحزب لم يعنى كثيرا بالقضايا «السياسية الكبرى» التي تناولها «حزب الإصلاح»، وإنما انشغل بقضية عامة هي التنمية.

وضم برنامج التنمية للحزب توجهين أساسيين هما: توجه حل أبرز مشكلات المجتمع المصري، وهي «الإرهاب» و«المخدرات»، وتوجه الارتقاء بمصر لمصاف الدول المتقدمة من خلال «الإصلاح الاقتصادي» و«السياحة». ومن صياغة برنامج الحزب بدت واضحة لهجة السعي إلى تطمين الحكومة من توجساتها تجاه الإخوان، إذ تم التأكيد على الرغبة في المشاركة «من خلال القنوات الشرعية في خدمة الوطن». حزبا «الأمل» و«الوسط» أما بخصوص الإرهاب تحديدا، والذي اهتم بتناوله حزبا «الأمل» و«الوسط» مقارنة بـ«الإصلاح»، بحكم توافق فترة تأسيس الحزبين مع نمو ظاهرة العنف في التسعينات، فقد طرح الحزب بنودا عامة من بينها ضرورة توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، بما في ذلك حق إصدار الصحف وتكوين الأحزاب. ولا شك بأنها رسالة كانت في مكانها للجنة الأحزاب التي رفضت بعد أربع سنوات من التقدم به، أي في 1998، السماح بتكوينه، على اعتبار «المسحة الدينية التي اصطبغ بها خطابه وبهوية مؤسسه التنظيمية الاخوانية». والملفت أن الحزب، وفي ثلاثة بنود متتابعة، أكد على قضية الإسكان في حل مشكلة الإرهاب، بما في ذلك حسم مشكلة العلاقة بين المالك والمستأجر. وبخصوص السياحة طالب الحزب بـ«تدريس مادة السياحة في مصر كمادة قومية بالمدارس في مختلف المراحل التعليمية».

ولم ترق لقيادة الإخوان فكرة تأسيس حزب سياسي، مهما كانت وجاهته الوطنية، عبر مبادرات فردية من أعضائها، سيما أنها حسمت موقفها من القضية منذ 1984 وتوقعت التزاما كاملا من أفرداها بالقرار. وبانتهاء قصة «حزب الأمل» بدأ تنامي ظاهرة اعتزاز بعض قيادات العمل النقابي بمشاريع ورؤى مستقلة، لدرجة الاستعداد لـ«تطليق الجماعة للزواج من الحزب السياسي أو النقابة». وقد بدت الظاهرة مع السمان، لكنها كانت أوضح في حالة أبو العلا ماضي مع تجربة «حزب الوسط».

وتتناقض الروايات حول خلفية تأسيس «الوسط» والملابسات التي حاطته، فغير المكتوب هو أن فكرة التأسيس كانت إخوانية من الصميم، وأتت في نفس السياق الذي لازم فكرة تأسيس حزب «الإصلاح المصري» منتصف الثمانينات، غير أن ضعف الاتصالات، وسوء الفهم والتقدير، عن عمد أو غير عمد، كانا وراء ما تطور سلبيا بين ماضي وقيادته. لكن اليقين هو أن مجمل القيادة الشبابية داخل النقابات كانت معجبة للغاية بأدائها المتميز، خاصة نقابة المهندسين (من خلال مشاريع العلاج، والإسكان، والمعاشات، والقروض.. الخ)، وكانت تريد مد إنجازاتها على مستوى يشمل السلطة التشريعية. كانت ترى بأن العلنية أفضل من السرية، وأن «الآخر» ليس بالسوء الذي كتب عنه سيد قطب في «المعالم» ومجموع كتابات سعيد حوى والمودودي.

وردّت القيادة الاخوانية عليها فقالت بأن الأصل في عمل الجماعة منذ البنا، هو العلنية وليس السرية، وأن السرية فرضها النظام منذ عبد الناصر بإصراره على عدم الاعتراف بالإخوان وتعريض أعضائه لاعتقالات ومحاكمات عسكرية بتهم شكلية مستمرة حتى الآن. وأن الجماعة انفتحت على الجميع، بما في ذلك الأقباط، وفتحت مع الكنيسة حوارات صريحة بين 1992 و1993، في مقرها السابق بسوق «التوفيقية» وقبلت بالتعددية السياسية، واحترمت المرأة، سواء كانت مقترعة أو مرشحة (كما في حالة ترشيح جيهان الحلفاوي بالاسكندرية)، وأكدت على إيمانها بالديمقراطية والانتخاب داخل هياكلها التنظيمية، كما أوضحت ذلك ملفات قضية «سلسبيل» الشهيرة.

صراع الأجيال وفيما ظل الجدل محتدما بينهما، من المفيد التأكيد على أن القضية لم تكن بالضرورة «صراع بين جيلين» فقط، لوجود تداخل في الفئات العمرية بين التيارين، وإنما هي اختلاف بين تجربتين أو عقليتين: تجربة واكبت عهد تضييق وتعذيب فتطورت متوجسة من «الآخر» شاكة في نواياه، وثانية انخرطت في النشاط العام وتفاعلت مع أجهزة الدولة بتصورات واقعية. وبين ذلك عقليات انشغلت بالنشاط العام لكن ظلت منغلقة، والعكس. ويلعب النظام دورا كبيرا في توفير التجربة الإيجابية التي تضمن تطوير عقلية منفتحة لا تلجأ للانغلاق وإنما تعلن عن نواياها بوضوح وتكشف عن أوراقها كلها.

وتشير مشاريع الأحزاب السياسية التي صدرت عن الاخوان بصورة معتمدة أو غير معتمدة من القيادة، الى عدة تطورات هامة وهي، أولا: أن جيل الشباب، بوجود التلمساني، هو الذي دفع بفكرة إنشاء أحزاب «الإصلاح» و«الأمل» و«الوسط»، وكان الشاب «عبد المنعم أبو الفتوح هو الذي قاد حربا شديدة لاستصدار قرار من القيادة بإنشاء حزب سياسي»، على حد تعبير نقابي إسلامي.

ثانيا: تعززت هذه الرغبة بعد تجربة الاخوان في النقابات، نقابتي المهندسين والأطباء تحديدا، حيث اكتشفت قيادات الجماعة المهنية بأنها تحقق شرعيتها الاجتماعية من خلال أجهزة الدولة (أي النقابة) وليس خارجها، وبالتالي من المهم أن تحفظ مكتسباتها بتحقيق مشروعيتها القانونية. وكان مما أسفرت عنه فكرة إنشاء حزب سياسي جدل طويل داخل صف الجماعة حول ما إذا كان التغيير الاخواني للمجتمع ينطلق من داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها أم من خارجها؟ ثالثا: يلاحظ أن «الأمل» و«الوسط» عانا بعد أزمة النقابات والتضييق الشديد الذي تعرضت له الجماعة. وهو تطور ملفت، لأنه لا يتفق من الرؤية التفسيرية التي ترى أن المزيد من القمع يؤدى بالشباب إلى مزيد من التطرف. رابعا: وهو أهم تطور، فتحت تجربة «الأمل» و«الوسط» أمام مؤسسيهما مثل أبو العلا ماضي ومحمد السمان، مجالا متوقعا للدخول في حوارات مع قوى سياسية مختلفة، بما في ذلك النظام ودوائره الأمنية. ومع اتساع الشقة بين قيادة الجماعة وبين هؤلاء المؤسسين، الذين فصلوا من التنظيم أو قدموا استقالاتهم، يتوقع المراقب أن يسفر ذلك مستقبلا عن تشجيع لنوع من التنسيق بين أصحاب هذه المبادرات الفردية، لتأسيس أحزاب مشتركة تجمع جهودهم ورؤياتهم في وعاء سياسي واحد، بمعنى محاولة للمزاوجة مثلا بين تجربة «الوسط» و«الأمل» على شكل مشاريع سياسية واجتماعية أخرى متنوعة، ولإثبات «حسن النوايا» للجنة الأحزاب، ومن أن فكرة تأسيس حزب جديد ليست مناورة أو تكتيكا بين هؤلاء والاخوان، من المتوقع أن تفرط برامج الحزب الجديد في مصالحة أو «مغازلة» الحكومة وتأكيد مساعيها للإصلاح «من داخل أجهزة الدولة وعبر مصادر شرعيتها».