الامتحان الكبير لجورج بوش

TT

هل نجح الرئيس جورج بوش في الامتحان الذي تعرض له اثناء حادثة الطائرة الاميركية؟

لا شك في ذلك مطلقا، خاصة اذا وضعت قائمة للناجحين هدفها ألا تستثني رئيسا اميركيا واحدا! فالاعتراضات وحالات الشوشرة والصفير لم تصدر إلا عن صفوف اليمين، خاصة «الويكلي ستاندرد» التي وصفت تساهل الرئيس تجاه الصين بـ«الاهانة الوطنية».

وقد وجد المحرران وليام كريستول وروبرت كاغان سببا لما سمياه الاذعان لحكم شمولي وهو «تمكن الشركات الاميركية من ليّ ذراع الحكومة واملاء السياسة الاميركية نحو الصين».

ربما يكونان على حق، فالشركات الاميركية الكبرى ذات المصالح مع الصين ـ مثل بوينج، جنرال موتورز، ومايكروسوفت ـ هي في الوقت نفسه صاحبة التبرعات الضخمة للحزب الجمهوري ولتنصيب بوش وديك تشيني، ومثل هذه الشركات لا يمكن ان تتسامح ازاء عرقلة العلاقات مع الصين. ولم تجد احداها، ups، وهي التي دفعت %85 من جملة تبرعاتها الانتخابية البالغة 1.3 مليون من الدولارات الى الحزب الجمهوري، ان من الضروري تأجيل شحن بضائعها الى الصين، لأن طائرة اميركية تم احتجازها!، أما نيوز كورب فقد احجمت تماما عن انتقاد الصين ابان الازمة، بل ان صاحبها روبرت ميردوخ لا يخفي مسايرته لنظام سيؤمن خمس سكان العالم لخدماته التلفزيونية الفضائية.

الامر المثير في الانتقادات الصادرة عن اليمين، هي شبهها الشديد بتلك التي صدرت عن اليسار، فالدوائر التجارية التي حددتها «ستاندرد» واتهمتها باملاء السياسة الاميركية نحو الصين، هي الدوائر نفسها التي يهاجمها الليبراليون، باعتبارها هي التي تملي سياسات بوش حول افرازات ثاني اوكسيد الكربون، في الجو، والزرنيخ في الماء، وسوء الاوضاع في اماكن العمل. والواقع ان الشركات صاحبة المصالح في كل هذه الاشياء، داخلية او خارجية، لها الآن من يدافع عنها داخل البيت الابيض، وكمثال على ذلك فإن كبير المحامين لجنرال موتورز، والتي لها مشروع استثماري بشنغهاي تفوق قيمته البليونين من الدولارات وستستفيد بالتالي من مستويات اعلى للافرازات الغازية، هو اندرو كارد الذي اصبح حاليا رئيسا لموظفي البيت الابيض في ادارة بوش.

ولا يوجد من يستطيع اتهام الادارة الحالية بالتناقض، فسياساتها الضريبية وتلك المتعلقة بالطاقة هي سياسة الشركات الكبرى، وهي ادارة الشركات الكبرى ولا احد يتظاهر بأن الامر بخلاف ذلك. وهل من المستغرب، والحالة هذه ان تطلق شيفرون اسم كوندوليزا رايس، مستشارة السياسة الخارجية، على احدى ناقلاتها البترولية؟

ولكن مع وضوح سياسات الرئيس الجديد إلا ان الكثيرين في الصحافة يتعاملون مع الادارة كسر مستغلق، على درجة غموض الحكومة الصينية نفسها. فهل يمثل بوش مجرد دمية قارئة للنصوص؟ وهل تشيني هو الذي يضع الكلمات على شفتيه؟ ام ان بوش هو نسخة جديدة من رونالد ريغان، يؤدي استخدامه للكلمات المكتوبة، واعتماده الزائد على المساعدين واسبوع عمله القصير، الى التشكيك في قوة شخصيته وايمانه بالمبادئ التي ينادي بها، بل يشكك حتى في ذكائه؟

الأجوبة عن هذه الاسئلة ليست صعبة المنال، فمن الواضح ان بوش يقرأ نصا مكتوبا، وإلا فانظر اليه عندما يرتجل! ولكن هذا النص المكتوب يعبر فعلا عن آرائه وعالمه. ان اخلاصه للمؤسسات التجارية والشركات يوضح ان التجارة كانت هي تجربته الحياتية الحقيقية والوحيدة قبل تجربته السياسية القصيرة، فقد عاش بوش في عالم تجاري تلعب فيه العلاقات الشخصية والعائلية ادوارا حاسمة في حل المشاكل، واصدار اشارات المرور. هذه الثقافة التي يقوم فيها لاعبون كبار بتبادل الخدمات والمزايا، من دون ان يشكوا لحظة في انهم يعرفون افضل من غيرهم ما يخدم المصالح الاميركية، هي التي وحدت اليمين واليسار منذ يوم التنصيب.

اما عن شخصية بوش، فإنها هناك على السطح، لكل من يود ان يراها، انه لا يحب المواجهات، سواء مع الصين او مع غيرها. وهذا يوافق رجلا عاش حياته السهلة بدون مواجهات تقريبا، كانت تصرفاته اثناء الاحتكاك مع الصين نمطية الى حد بعيد، فبعد تصريحاته الاولى، الصارمة نسبيا، اندفع بسرعة الى نغمات المصالحة والتنازل، وهذا هو ما فعله بالضبط عندما ظهر في جامعة بوب جونز، وعندما رفض مقابلة الجمهوريين، وعندما تفادى المناظرات.. انه يدافع بقوة عن مواقفه، ثم يتنازل، هذا منهجه.

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»