الإبداع والاحتساب والتكفير

TT

ننشغل بين فترة واخرى بفتوى من هنا وهناك تنادي بإهدار دم احد «المثقفين» والفنانين.. وسواء كانت تلك الفتوى الفردية بصيغة اهدار الدم على العموم او ندب ولاة الامر المعنيين بإقامة حد الردة والزندقة، ارى ان الامر جد خطير.. لعدة اوجه منها:

اولا: بروز ظاهرة تعدي بعض اهل الفن والثقافة من اهلنا على ثوابت الأمة الدينية.

ثانيا: جرأة بعض طلبة العلم الشرعي على هذا النوع من الفتاوى.

اما في ما يخص تعدي بعض اهل الفن والثقافة على ثوابت الأمة الدينية فهو امر مرفوض ولا بد من حسمه نصيحة لله ولرسوله ومنعا من اعطاء الغلاة المنفلتين من عقال الجماعة المبرر لعلو الصوت.. وبالتالي الحفاظ على دين الناس واستقرار احوالهم، وهذا الأمر ارى ادراكا متناميا لأهميته من قبل ولاة الأمر في كثير من مجتمعات المسلمين اليوم.

أما ما يتعلق بمسألة جرأة بعض طلبة العلم الشرعي على الفتوى المنفردة فشأنها خطير جدا، خصوصا تلك الفتاوى المتعلقة بالحقوق من ايمان ودماء واموال، والنتائج السيئة لهذا النوع من الفتاوى المنفردة ملموسة للاسف في بعض مجتمعاتنا، التي تفتقد المرجعية الدينية المعتبرة من قبل ولاة الأمر ومن الناس. فإذا كان البعض يرى في غياب تلك المرجعية مسوغا لخروج الفتاوى الانفرادية فما العذر لمن لديه مرجعية دينية معتبرة.. اولاها ولاة الأمر والناس في الداخل والخارج ثقتهم واطمأنوا لها؟! أعلم ان هناك من يجادل في مسألة المرجعية الدينية لدى أهل السنّة، خصوصا اذا كان مراد الداعي للمرجعية ان تكون مثيلة لتلك التي لدى اهل العقائد الاخرى، فهذا امر نفهمه ونقدره.. اما نحن ومن خلال هذا المقال نهدف من الدعوة لوجوب المرجعية ولزومها تحقيق مراد الشارع عز وجل الآمر بطاعة ولاة الأمر بعد طاعته عز وجل ورسوله ورد الأمور لهم.. وتنظيمها بشكل يقيم للأمة دينها ويحفظ لها امنها واستقرارها.. ولذلك اجد مثل هذا الانفراد في الفتوى، فيه تعد على حقوق شرعية وافتئات على ولاة الأمر المعنيين.. يجب حسمه قبل ان يستفحل! قد يرى البعض في هذه الكلمات دعوة لمصادرة حق الناس ومنهم طلبة العلم في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهذا غير صحيح.. واعوذ بالله ان ادعو الى هذا.. كل ما ادعو اليه ان نسلك الطريق الصحيح والوسائل السليمة للوصول الى غاية عظيمة.. ولا شك ان غاية اهل الايمان بقاء كلمة الله عليا.. ولا شك ايضا ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة لتلك الغاية الشريفة.

والغاية الشريفة يجب ان تكون وسائلها شريفة، اي ان الغاية مهما علت لا تبرر الوسيلة. هكذا فهمنا ديننا. لا يشك احد في ان غايات كثير من الفرق الاسلامية سليمة ومع هذا صنفوا ضمن الخارجين عن دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم.. لماذا؟ لان الوسائل التي سلكوها لم تكن سليمة او بمعنى اخر لم تكن مشروعة. وانا اشفق على الناس من اهل الفتيا المنفلتين من رباط مرجعياتهم واشفق على اولئك ان يكون فعلهم بمثابة التمهيد للغلاة من المسلمين او ارباع وانصاف اهل العلم، بل قد يكون فعلهم اسهاما في نشر اصول فكر الخوارج، لذلك على طلبة العلم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال النصح لله ولرسوله ولكتابه وولاة الامر ولعامتهم من خلال الاحتساب برفع ما يصلهم من كفريات وتعديات بعد التثبت لمرجعيتهم بلا حياء او استعلاء مع الحرص الشديد على عدم اثارته للعامة، فنكون بذلك امنا مراد الحق عز وجل وساعدنا ولاة الامر من الامراء والعلماء على ضبط الساحة وتحصينها مما يهدد دين الناس واستقرارهم، والله من وراء القصد.