بين الحق و«ابن عمه»!

TT

هل كانت هناك قوى في الساحة السياسية الاسرائيلية تخطط حقاً الى استدراج الفلسطينيين الى «الانتفاضة»، لوثوقها من انها ستكسب من اي تصعيد؟ ربما يكون الجواب بالايجاب او السلب. ولكن علينا ان نقرّ، بذهنية منفتحة، بأن الجانب العربي ـ حتى الآن ـ إما خذل «الانتفاضة»... او ان الفلسطينيين دفعوا دفعاً نحو الانزلاق اليها.

لإجلاء هذه الفكرة، التي قد يساء فهمها، أسترجع مقولة احد القادة الميدانيين إبان الثورة الماوية في الصين «اعرف قوتك بدقة، واعرف قوة خصمك بدقة، وخض معه مئة معركة... تكسبها كلها».

طبعاً سيقول البعض، ان مثل هذا الكلام عفّى عليه الزمن، ولئن كان يصدق قبل 60 او 70 سنة فهو لا يصح في عصر الإنترنت و«القنابل الذكية». وهذا رد منطقي مقبول. ولكن ما أهدف الىه، هو ان «القاصد دائماً يغلب المقصود». ومن يكون دأبه رد الفعل، او من ادمن الخلط في حساباته التكتيكية والاستراتيجية، او من راهن دائماً وأبداً على دعم لم يأت ولن يأتي... لا يمكن ان يربح. وما نعيشه الآن في المواجهة المفتوحة التي يقودها آرييل شارون بعقلية «جنرال» الدبابات، يجب ان يثير جملة تساؤلات مبدئية، في مقدمها ما يلي:

ـ بعدما فتحت المعركة العسكرية، كيف يمكن ان يحقق الفلسطينيون والعرب الحد الادنى المقبول... اي حرمان شارون من تحقيق انتصار سياسي، والمحافظة على صمود الجبهة الداخلية الفلسطينية، واحتواء توسيع العدوان الاسرائيلي نحو لبنان وسورية؟

ـ الى اي حد يمكن ان يصل الدعم العربي، اولاً للصمود الفلسطيني، وثانياً للبنان وسورية، وبخاصة في ظل اعتماد بعض العرب اقتصادياً وارتباطهم سياسياً وعسكرياً بالولايات المتحدة؟

ـ في ظل الموقف الاميركي المعلن، هل يمكن المراهنة على الدبلوماسية الدولية، سواء عبر الامم المتحدة او الكتل الاقليمية العالمية كـ«الاتحاد الاوروبي»؟ خلفية كل هذه التساؤلات، مع الاسف، سيئة وقد تدعو الى اليأس. غير ان السياسة الحكيمة قادرة دائماً على ايجاد نقاط ضعف في الطرف المقابل، او اللعب على تناقضات عابرة بين المتحالفين تحت لوائه. وهي قادرة ـ او يجب ان تظل قادرة ـ على إبقاء خيار التفاوض قائماً، مع الاحتفاظ بتهديد السلاح. ففي وضع «اللاتوازن» الاقليمي السائد في الشرق الاوسط، يجب ان يبقى السلاح أداة فاعلة في العملية التفاوضية تكفل ان تكبّد العدو خسائر اكبر إذا ما اصر على خيار القوة.

ومن نافلة القول، ان التصعيد العسكري بشكله التقليدي يصب في مصلحة اسرائيل، التي هي الطرف الاقوى اليوم، لأنه سيرفع شعبية حكومتها الائتلافية الهشة. وهو بالذات من صميم مصلحة التيار اليميني الصهيوني المتطرف الذي يهمه إقناع الشارع الاسرائيلي، بأن العرب لا يفهمون الا لغة القوة. من هنا، على الاطراف العربية القابعة في بؤرة المواجهة العض على الجرح والتأهب لمجابهة حرجة. ولكن على دول العمق العربية ان تتحلى بشيء من الصراحة. فليس عيباً ان تعلن هذه الدولة او تلك انها مضطرة لأن تكون خارج الميدان نظراً لالتزامات وارتباطات دولية. ولكن العيب كل العيب تشجيعها الآخرين على المقاومة بينما هي ابعد ما تكون عنها.