الحرب تدق الباب

TT

ما دامت أبواب السلام تقفل واحدا بعد الآخر، فلا بد ان يتم فتح ابواب الحرب والاحتمال الثالث بين السلم والحرب العودة الى حالة «اللاسلم واللاحرب» والمشكلة في منطقة ملتهبة كالشرق الأوسط انها لا تملك رفاهية العيش طويلا في تلك الحالة، فهي دائمة الاحتقان، وحسابات الهدوء الحذر فيها أصعب من حسابات هدوء بلاد البلقان، مما يعني استبعاد الاحتمال الثالث، فهل الحرب آتية فعلا وباستعجال للمنطقة...؟

لقد قال السادات ذات يوم ان حرب اكتوبر المجيدة هي آخر الحروب بين العرب واسرائيل، ولم يكن ذلك الكلام دقيقا، فقد كان بعدها حرب اسرائيل مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية في لبنان، وحرب اسرائيل مع سورية فوق لبنان وهي الحرب التي خسرت فيها سورية من الطائرات اكثر من خسارتها في حرب اكتوبر. وهاتان الحربان لهما شكل الاستمرارية، فمعارك المقاومة اللبنانية لم تتوقف حتى بعد تحرير الجنوب والتماس الاسرائيلي مع القوات السورية في لبنان ذريعة دائمة لإشغال أي حرب وفي أية لحظة، وما جرى منذ يومين ليس الا دليلا جديدا يضاف الى عشرات الأدلة التي تؤكد ان اسرائيل تخرج دائما من مآزقها بحروب مفاجئة مع جيرانها.

لقد كان مجيء شارون بحد ذاته قرار حرب وكأن تشكيل حكومة الائتلاف الاسرائيلية من قرارات التعزيز الرديفة التي تعمق ذلك الاعتقاد، واذا كان هناك من لم يفهم بعد القرار الشعبي الصهيوني بانتخاب مجرم حرب والقرار الحكومي الاسرائيلي بانتهاج خط التشدد على جميع الجبهات، فان خطوات شارون وخطبته النارية في عيد الفصح اليهودي كفيلة بأن تزيل اية شكوك حول طبيعة الخطوات الاسرائيلية القادمة.

ان إصرار شارون على ان اليمين واليسار في اسرائيل سيخوضان الحرب معا ضد الارهاب لا يعني ان المواجهات ستكون مع الفلسطينيين وحدهم، فتهديدات وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر شبه اليومية ضد سورية ولبنان تكمل هجمة شارون على ما يسميه (الارهاب الفلسطيني ـ اللبناني) الذي تتحمل سورية عادة مسؤوليته ثم تكر السبحة على الجبهات الاخرى.

وفي هذا السياق هل هي صدفة ان تأتي مبادرة تحريك عملية السلام من مصر والاردن الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين وقعتا معاهدة سلام مع اسرائيل؟

ان القاهرة ومعها عمان تدركان خطورة الوضع اكثر من غيرهما، وتعلمان علم اليقين وسط الغضب الشعبي العربي ما يجري للفلسطينيين بأن الحفاظ على معاهدات هشة في مثل هذه الظروف من رابع المستحيلات، خصوصا حين ندرك ان الشعوب لم تؤيدها رغم مضي عشرات السنوات على توقيعها، ونظرا لهذه الهشاشة فما ان تشتعل الجبهة اللبنانية وتصل النيران الى الجبهة السورية حتى يصبح التفرج الرسمي العربي الذي ظل ممكنا مع الانتفاضة مستحيلا في الحرب، وعند هذه النقطة بالذات يظهر الخلل في الحسابات الاميركية التي يمكن ترجمة جميع تصرفاتها الاخيرة بمثابة اشعال الضوء الاخضر امام حرب محدودة بين العرب والاسرائيليين تتيح لاميركا الانفراد بالملف العراقي بعيدا عن الضغوط الشعبية والرسمية العربية، وتريحها اخلاقيا الى حين من التزاماتها الفاشلة امام عملية السلام.

وقد لا تقع الحرب غدا ولا بعد غد، لكن هذا لا يعني انها بعيدة، فهي تدق الابواب بعنف المستعجل وكل من يتصرف على اساس انها غير آتية يغامر في الاسراف بحسن النوايا الاسرائيلية والاميركية، فالدولتان تراهنان دائما على خلق امر واقع جديد يساعدهما على التنصل من الضغوط السياسية، ومن الالتزامات والاستحقاقات القانونية في عالم احادي القطب لا يحكمه غير قانون الغابة.