فتوى الدكتور واصل

TT

اثار مفتي الجمهورية المصرية الدكتور نصر فريد واصل مسألة اجتماعية كبرى باصدار فتوى تبيح اختلاء الزوج الذي يقضي عقوبة بالسجن، بزوجته، وكذلك اباحة لقاء الزوجة المسجونة بزوجها. ويتطلب تطبيق ذلك اعادة نظر شاملة في القوانين وأوضاع السجون ومبانيها وملحقاتها وما الى ذلك من جوانب. وبنى الدكتور نصر فتواه على قاعدتين اساسيتين: الاولى: ان الزوج او الزوجة ليس شريكاً في العقاب، والثانية ان مثل هذا السماح يبقي الزوج (او الزوجة) على علاقة بأسرته ومهيأ للحياة معها بعد خروجه من السجن واستئنافه الحياة العادية.

وتطرح الفتوى اوضاع السجون والسجناء في العالم العربي، وهم قطاع منسي في افضل الاحوال ومهمل في جميعها ومنبوذ في اكثرها. والاخطاء انواع والاحكام انواع والعقاب درجات. وما هو سائد في السجون العربية ان لا فرق بين سجين وآخر او بين سجن وآخر. فالقاتل والمخالف والجانح في مكان واحد. والاصلاحيات اسوأ من السجون. والسجين الخارج اسوأ طبعاً من السجين الداخل.

ليس المطلوب ان ندعو الى سجون على طريقة السويد، حيث يحق للمدان ما لا يتمتع به مليارات البشر في العالم الثالث (32 مليون انسان لا يعرفون وجبة طعام نظامية واحدة في اليوم) ولا الى سجون مثل بريطانيا، حيث يعطى كل منتهي العقوبة «راتب» اسبوعين لبدء الحياة الجديدة. اننا ابعد من ذلك بكثير. مع العلم ان جمعيات السجون في البلدين تتذمر من «الظلم» اللاحق بها. وكان نابوليون يقول ان «كل من فتح مدرسة اقفل سجناً». غير ان الافضل الآن هو تحويل السجن الى مدرسة والعمل على تأهيل السجين بشتى الوسائل لكي لا يخرج مرة اخرى الى المجتمع وهو اسوأ خلقاً واكثر خبرة في الجريمة واكثر قسوة وفظاظة. ويكون ذلك اولاً «بتصنيف» السجناء ومدد احكامهم، واستبعاد الفئة او الفئات الميؤوس منها، ومن ثم وضع الباقين في ظروف ومناخات تشبه المعمل والمدرسة معاً. وبعض الذين يقضون خمس او عشر سنين وهم في سن مبكرة يستطيعون الخروج الى الحياة وهم مسلحون بالمهن بدل المسدسات او حتى بالشهادات. وفي الامكان تحويل السجون (كما كان الحال في لبنان قديماً) الى مشاغل يدوية وحرفية واشياء مشابهة. غير ان سجون اليوم مدارس للجريمة وملتقيات «نموذجية» لانشاء «تعاونيات» الاجرام والاتفاق عليها في الداخل من اجل تنفيذها في الخارج.

ان بعض السجناء يحكم لعامين او ثلاثة او عشرة، لكنه يخرج محكوماً باللعنة المؤبدة والجريمة الدائمة. فكل ما يتعلمه وراء الجدران هو ما لم يكن يعرفه من قبل من ضروب السرقة والاحتيال وصنوف المخالفات.

السجون في العالم العربي كلمة ملعونة لا يأتي على ذكرها احد. انها المنفى الداخلي الذي نرسل اليه جميع من لا نقدر على معالجتهم. وفي النتيجة نكتشف ان كل سجن يولد سجناً آخر. وهذا الكلام ليس دفاعاً عن القتلة والسفاكين والسارقين، بل هو بكل تحديد، دفاع عمن يمكن انقاذهم من المحكومين والمخطئين لكي لا يتحولوا من منقوص في السجن الى نقيصة في المجتمع.