من المستفيد من تصعيد المجابهة في النزاع العربي الإسرائيلي؟

TT

انها مشاهد من «فيلم قديم»، هذه التي «تعرض» على حدود لبنان وفي سمائه: عملية عسكرية تقوم بها المقاومة اللبنانية، فترد اسرائيل بغارة جوية على مواقع لبنانية وسورية، فيشكو لبنان وتدين الدول العربية العدوان، وتنصح الولايات المتحدة الطرفين بضبط النفس والامتناع عن تصعيد المجابهة، ثم لا شيء، بانتظار عملية اخرى او عدوان اسرائيلي آخر، وشكوى وتهديد واستنكار و.. نصائح؟

السؤال الاول الذي يتبادر الى الذهن، بشأن ما حدث، هو: لماذا اقدم حزب الله على عمليته الاخيرة، اليوم، وهو يعرف ـ كما يعرف الجميع ـ ان الحكومة الاسرائيلية برئاسة شارون، سوف ترد عليها بشكل او بآخر. وان الامم المتحدة والولايات المتحدة سوف تحملان حزب الله والحكومة اللبنانية مسؤولية «استفزاز» اسرائيل؟ (وهذا ما حصل). ولكن هل صحيح، كما تؤكد واشنطن وتل ابيب، ان حزب الله لا يقدم على عملياته من دون موافقة سورية عليها؟ ان الصحيفة الناطقة بلسان رئيس الحكومة اللبنانية، رفيق الحريري، ابرزت بوضوح عدم موافقته على توقيت هذه العملية، عشية الاعلان عن زيارته لواشنطن واجتماعه بالرئيس الاميركي، في اطار مساعيه لانقاذ الاقتصاد اللبناني. ومن هنا يبرز جواب آخر على توقيت عملية حزب الله، وهو القائل بان هذه العملية انما هي رسالة من الحزب ومن هم وراء الحزب، للرئيسين الاميركي واللبناني، عشية لقائهما، ملخصها: ان استمرار مقاومة اسرائيل يتقدم على كل اعتبار سياسي آخر، في لبنان.

اما السؤال الثاني، فهو عما اذا كان هذا التصعيد الجديد للنزاع، على الحدود اللبنانية مرتبط بتصعيد المجابهة على الساحة الفلسطينية، بين الشعب الفلسطيني المنتفض وقوات الاحتلال الاسرائيلية؟ والجواب البديهي هو نعم، لكن ماذا بشأن المبادرة المصرية ـ الاردنية الجديدة «لفك الاشتباكات» التي كان وزير الخارجية الاردني يحملها معه في زيارته للقدس واجتماعه بوزير الخارجية الاسرائيلي، وكانت محددة باليوم التالي لعملية حزب الله؟

ومن هنا سؤال «فرعي» آخر وهو: هل هناك، حقا او فعلا، تنسيق بين الدول العربية، او خطة مشتركة، للرد على التحديات الشارونية؟ ام ان هناك فريقا عربيا يتبع الاسلوب الدبلوماسي او السياسي لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من الحقوق العربية، وفريق آخر، لا يرى سوى القوة والمقاومة لغة تفهمها اسرائيل؟ والجواب واضح وصريح وقد اعطاه حزب الله..

اما السؤال الثالث فهو المتعلق بمواقف الامم المتحدة والدول الكبرى، والولايات المتحدة بالذات، فلقد اجمعت على ادانة عملية حزب الله وحملته مسؤولية التصعيد. وبالرغم من تأكيد هذه المرجعيات الدولية الكبيرة على رغبتها في مساعدة لبنان على النهوض اقتصاديا، فانها مصرة على ضرورة ابعاد حزب الله عن الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية، وعلى عدم ادانة اسرائيل ان هي ردت على عمليات حزب الله بضرب قواعده بل وبعض المواقع السورية في لبنان.

اما الجديد في الاسلوب الاسرائيلي للرد، فهو الامتناع عن ضرب البنى التحتية اللبنانية. ولكنه امتناع مؤقت وغير مضمون. وسوابق شارون في لبنان، لا تشجع على الاطمئنان الى هذه «المراعاة» للمصلحة الاقتصادية اللبنانية، واقتصار ردوده العدوانية على المواقع العسكرية لحزب الله ولسورية؟ ان الحكومة اللبنانية، بلسان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اكدت، بعد الغارة، موقفها من شرعية المقاومة واستمرارها. ولكن الامم المتحدة والبيت الابيض اكدا، في الوقت نفسه، موقفهما المعترض على حق المقاومة وشرعيتها. ونصحتا لبنان واسرائيل بضبط النفس وعدم تصعيد المجابهة. تماما كما نصحتا الفلسطينيين والاسرائيليين.

ولكن ما جدوى هذه النصائح، امام التصعيد الطبيعي للمجابهة، وعلى كل الجبهات، الذي حركه وصول شارون الى الحكم، وتمزيقه لكل اوراق عملية السلام؟ اما السؤال الرابع، والاكبر، فهو عن الاحتمالات القادمة: هل سيرد حزب الله على الغارة الاسرائيلية، كما صرح المسؤولون فيه؟ وهل يكون الرد «موجعا»، كما قالوا؟ ولا داعي للتساؤل عما اذا كانت اسرائيل سوف ترد على الرد، بل عن موقع الرد العدواني الاسرائيلي وغاياته؟ عما اذا كانت سيقتصر على المواقع العسكرية السورية في لبنان ومراكز حزب الله، ام سوف يطال البنى التحتية اللبنانية؟ ام ان الولايات المتحدة والوسطاء الاوروبيين، والعرب، سوف ينجحون في اقناع الاطراف العربية بضبط النفس واستئناف المحادثات؟ وحتى لو نجحوا على الجانب الفلسطيني ـ الاسرائيلي، فهل ستمتنع الاطراف العربية، واللبنانية والسورية، بالذات، عن الاستمرار في مقاومتها للاحتلال الاسرائيلي؟

ان زيارة المبعوث الاميركي لدمشق، في الايام القادمة، قد تحمل معها الرد السلبي او الايجابي على هذا السؤال الاخير. فبالرغم من اعتراض واشنطن او تحفظاتها على سياسة سورية في لبنان وموقفها المتشدد من عملية السلام، الا ان خيوط العلاقات والحوار لم تنقطع، يوما بين واشنطن ودمشق. بل ان واشنطن قد تكون «محتاجة» الى علاقات طيبة مع دمشق، اليوم، ولعدة اسباب، منها ما هو لبناني ومنها ما له علاقة بالموقف الاميركي الجديد والمتشدد من العراق، ومنها ما له علاقة بعملية السلام. الا ان هذه النوافذ المفتوحة بين دمشق وواشنطن، لا تتسع، بعد، لا سيما في الزمن الشاروني، لتفاهم حقيقي او لاقتناع واشنطن بضرورة الضغط على اسرائيل للانسحاب من الجولان، بالشروط السورية. يبقى ان واشنطن، بل والدول الاوروبية، وبعض الدول العربية، لا تستطيع تكتيف الذراعين امام هذا التصعيد في المواجهة بين اسرائيل من جهة والفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، من جهة اخرى، لان هذا التصعيد لا يمكن الا ان يقود الى حرب عربية اسرائيلية خامسة. وهناك بين المحللين السياسيين من يعتقد بأن خطة شارون «السلمية» الحقيقية، هي جر الدول العربية او بعضها الى حرب، تكسبها اسرائيل نظرا لتفوقها العسكري، وتنتهي بجلوس الفلسطينيين والعرب الى طاولة المفاوضات مستسلمين للشروط الاسرائيلية.

حتى الآن لم تدخل اسرائيل حربا مع العرب الا وكانت الولايات المتحدة مؤيدة او داعمة لها. ومهما كانت توجهات الادارة الاميركية الجديدة انعزالية المنحى، وغير راغبة في مواصلة دور الوسيط والشريك في عملية السلام (الذي لعبه الرئيس كلينتون)، فانها لا تستطيع الوقوف بعيدا عما تحضر له اسرائيل، اي دفع الفلسطينيين والعرب الى المقاومة، والى تصعيد هذه المقاومة. اما بالنسبة للبنان، المرشح مجددا، لدفع ثمن غال عن احتضانه للمقاومة او تبنيه لها، فقد تسفر المحادثات الاميركية ـ السورية التي سوف تجري في دمشق، واللبنانية ـ الاميركية، في واشنطن، اثناء زيارة الرئيس الحريري لها، بعد اسبوع، عن «هدنة» مؤقتة على الحدود اللبنانية الاسرائيلية. اللهم الا اذا كانت خطة شارون تقضي بتصعيد المجابهات حتى بلوغ حافة الحرب، او الحرب. وليس مثل هذا التفكير او هذه المخططات بجديدة او مستغربة على حياة شارون او تفكيره.

ولكن هل تغامر الولايات المتحدة بكل مصالحها في العالمين العربي والاسلامي، ولا تمنع شارون من تنفيذ مخططاته المؤدية الى الحرب؟ انه السؤال الذي لا بد للرئيس الاميركي من ان يطرحه على نفسه، اليوم، وغدا، وقبل ان تصبح الولايات المتحدة الاميركية، في نظر الشعوب العربية المقهورة او المرشحة لقهر جديد، «الشيطان الآخر» مع اسرائيل؟