جدلية أسلحة الدمار الشامل

TT

أسلحة الدمار الشامل أسلحة وحشية يمنعها القانون الإنسانى الأخلاقى وتحرمها الشريعة الإسلامية.

عن أنس بن مالك أن النبى (ص) قال موصياً قادة الجنود: «انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» رواه أبو داود. وأوصى أبو بكر الصديق (رض) يزيد بن أبى سفيان: «إِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ وَلَا تَحْرِقَنَّ نَخلًا وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ وَلَا تَغْلُلْ وَلَا تَجْبُنْ» رواه مالك.

أسلحة الدمار الشامل تتعدى تلك الحدود وتقتل من المدنيين أضعاف ما تصيب من الجنود وتحرق وتغرق وتدمر بلا حدود.

أدى سباق التسلح بعد الحرب الأطلسية الثانية ( 1939ـ 1945) إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل. لذلك أقدمت القوى الدولية على إبرام اتفاقية لحظر انتشار الأسلحة النووية في عام 1975م أعقبتها اتفاقيات لحظر الأسلحة البيولوجية (الجراثيم) والأسلحة الكيميائية (السموم).

الإجراء المنطقي والأخلاقي الصحيح هو أن تحرم أسلحة الدمار الشامل وأن يلزم مالكوها على التخلص منها. ولكن الدول المهيمنة على العالم رأت أن تحتفظ بأسباب هيمنتها. وما يصحب ذلك من تمييز لمصالحها ومنع الآخرين من تلك الإمتيازات مكرسة ازدواج المعايير الذي لا يمكن الدفاع عنه إلا بمنطق القوة.. فارقوا منذ البداية قوة المنطق.

مؤسس النادي النوو هو الولايات المتحدة الأميركية، وهي أول من استعمل السلاح النووي في هيروشيما وناقازاكي. وقيل أن من دوافع ذلك العمل اللا إنساني ردع الإتحاد السوفياتي الذي كان حليفاً لأميركا أثناء الحرب الأطلسية الثانية.ولاحت بعد الحرب بوادر اختلافه معه في إدارة الشؤون الدولية.

فظاعة السلاح النووي لم تردع الاتحاد السوفياتي بل دفعته دفعاً نحو العمل لسرعة امتلاكه فامتلكه ف ظرف عامين ودخل مع أميركا في صراع تسلح نووي رهيب.

صارت الحقيقة الدولية الجديدة أن السلاح النووي هو الأداة الإستراتيجية لحماية المصالح القومية لذلك سعت لامتلاكه وامتلكته سائر الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن فصار النادي النووي خماسياً.

وفي الأعوام التالية اتسع النادي النووي فصار اليوم مكوناً من تسع دول هي: الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية (جنوب أفريقيا في عهد سيطرة البيض امتلكته وتخلت عنه بعد ذلك).

لا يمكن الجزم بأن عدد الدول المالكة لهذا السلاح سيبقى تسعاً. ولا أن هذا السلاح سيبقى في أيدي الدول ولا ألا يعبر إلى ايدي كيانات أهلية، بل إن هنتنجتون في كتابه الشهير عن صراع الحضارات قال إن انتشاره محتوم!.. ما العمل؟.

ثلاثة عوامل ضرورية لامتلاك السلاح النووي هي:

* إمكانات مادية.

* معارف تكنولوجية.

* إرادة سياسية.

الإمكانات المادية متاحة للكافة وكذلك المعارف التكنولوجية. أما الإرادة السياسية فإنها تتوقف على حالة الإحساس بالأمن أو الخوف. أو حالة الرغبة في بسط الهيمنة أو التأهب للتصدي لها.

الولايات المتحدة الأميركية تمتلك ترسانة نووية لا مثيل لها. وهي جاهدة لتطويرها نوعياً. ومنذ عام 2002م أعلنت الولايات المتحدة سياسة دفاعية تبيح لها العمل العسكري الانفرادي والإستباقي لقمع ما تتصوره من خطر على أمنها القومي.

وصنفت الولايات المتحدة بعض الدول بأنها: محور الشر أو راعية للإرهاب أو خارجة عن القانون. الدول المستهدفة بهذه الأوصاف لا يمكن أن تطمئن على سلامتها وهي تواجه سيفاً نووياً مسلطاً عليها وتصميماً سياسياً معادياً لها، وليس أمامها إلا خياران: الإمتثال للإرادة الأميركية أو التأهب للدفاع عن نفسها بالوسائل الرادعة.

شهد الشعب الأيراني حركة ثورية بقيادة آية الله الخميني. وبعد فترة من المد الثوري اتجه الشعب الإيراني نحو البرنامج الإصلاحي الذي تزعمه السيد محمد خاتمي وكان يرجى لهذا البرنامج أن يتصل في اتجاهات تحصر ولاية الفقيه في الشأن الديني، وتحقق تعايشاً إقليمياً مع دول الجوار، وتفتح آفاق حوار الحضارات. ولكن ما حدث في العراق ووجود القوات الأميركية في الجوار والصورايخ السياسية الموجهة نحو إيران هذه العوامل أدت الى تراجع صوت الإصلاحيين ودعمت شعبية المحافظين الجدد في إيران.

صحيح ان القيادة الحالية في إيران تعلن التزامها باستخدام التكنولوجيا النووية في أغراض مدنية ولكن للمواجهات منطق تصاعدي غير محسوب.

إسرائيل الحليف الأقرب للولايات المتحدة. وهي دولة تجبرها عقيدتها الصهيونية، ومصالحها القومية أن تنكر حقوق أهل فلسطين الوطنية في الأرض، وفي العودة، وفي تقرير المصير. كما تدفعها عقيدتها الصهيونية أن تأتي أعمالاً في القدس ومقدساتها تستفز الأمة الإسلامية. ومهما تحاشت الحكومات الصدام فإن للشعوب سجيتها ومنطقها وقد كانت الانتفاضة الثانية التي أعقبت زيارة شارون للقدس لقطة من مشهد واسع النطاق.

لا تبرح إسرائيل تعلن أن الشرق الأوسط الكبير دولاً وشعوباً محط اهتماماتها الأمنية. هذه الرقابة الإسرائيلية تضع دول وشعوب المنطقة أمام الاستسلام للابتزاز النووي الإسرائيلي المدعوم أميركياً أو الاستعداد للتعامل معه!.

إذا تحررت إرادة شعوب المنطقة وهي نتيجة منتظرة مع التحرر الديموقراطي الزاحف، فإن ممثلي تلك الشعوب لن يمتثلوا للإملاء وسوف يتخذون مواقف تعبر عن مثل ومصالح تلك الشعوب المشروعة.

إزاء هذه التطورات فإن أمام أميركا وإسرائيل حليفها ومستشارها في شؤون المنطقة خيار فرض وصاية شرطية على المنطقة أو التفاهم الندي مع أهلها.

سيناريو الوصاية الشرطية على المنطقة يرجى أن تكون تجربة أفغانستان والعراق قد أثبتت بطلانه. ولم يبق إلا خيار التفاهم مع أهل المنطقة على أساس الندية، والعدالة، والمصالح المشتركة، وتجنب الإبتزاز النووي.

إن شعوب المنطقة قد استيقظت. وحركة التاريخ متجاوبة مع يقظتها ومواكبة لها. هذه الشعوب سوف تعمل لنيل حقوقها السياسية والاجتماعية من حكامها، وتعمل لحماية حقوقها الدينية، والقومية، والوطنية، من المعتدين عليها. وفي الحالتين فإن الوفاق السلمي العادل هو الأفضل لأن المواجهة سوف تخضع مصير العالم لأجندات الغلاة في الشرق والغرب والغلو مفتاح أبواب الرذيلة.

إن في الإدراك الجاد لهذه الحقائق أملاً في حياة أعدل وأفضل للبشرية. «الوعي والمعرفة يمكنان الإنسان من تجنب حتميات التاريخ». (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم).