لماذا صندوق نقد دولي جديد..؟

TT

ها هي فكرة كبيرة نهديها لوزير الخزانة الأميركي القادم، وقوامها خمس كلمات: «أعد اصلاح صندوق النقد الدولي»، حتى يمكن مساعدة كل العالم في إعادة التوازن لدفاتر حساباته المالية، وفي مقدمة تلك المساعدة تقليل العجز الأميركي ومعه تقليل الفائض الآسيوي، قبل أن تحل طامة اقتصادية تضرب الجميع من بكين الى بوستن.

أقول ذلك لأن الإشاعات تطير هنا وهناك من أن جون سنو وزير الخزانة الأميركية في طريقه الى الرحيل، ولكن إزاحته لن تنجز الكثير إذا لم يملك خليفته استراتيجية لتقليل عجز أميركي تجاري يقترب من الترليون دولار، ومعه كما قلنا ذلك الفائض الآسيوي.

صحيح أن الاقتصاديين ظلوا يتجادلون بطريقة، أيهما العجز والفائض، أهو الدجاجة والآخر البيضة، ولكن النقطة الجوهرية هنا هو أن الظاهرتين تعانيان من عدم الاستقرار. فأميركا تشتري منتجات بقية العالم، ولكن بحساب كتابة شهادة عجز لمستقبلنا، فيما سيوقف بقية العالم عند نقطة ما، شراء ورقنا أو سلعنا هذه الرخيصة.

وأحسب أن نقطة البداية في هذه القضية يمكن أن تكون ذلك الحديث الذي أدلى به ميرفن كينج، رئيس بنك انجلترا المركزي، وهو ومع رحيل غرين اسبان رصيفه الأميركي عن المشهد، يصبح أكثر محافظي البنوك المركزية في العالم حيازة للاحترام. وقد جادل كينج في حديث له بتاريخ 20 فبراير(شباط) الماضي بأن صندوق النقد الدولي اليوم هو مؤسسة بلا مهمة، أو كما يقال ضلّ طريقه. ويعود ذلك الخلل في جزء منه الى نجاح العولمة في خلق أنظمة ذات قدرة تنظيمية ذاتية، مما سحب البساط من مهام الصندوق القديمة.

وغاية حديث كينج هو إثارة نقاش حي وساخن حول كيف أن إعادة حيوية صندوق النقد الدولي يمكن أن تقود الى جهد عالمي لتقليل خلل التوازن بين العجوزات والفوائض المالية قبل أن يصلا معا الى نقطة الانفجار أو التصادم. والى ذلك انضم لورنس سامرز الى النقاش في الشهر الماضي، فأبان بمداخلته، حتى وهو يغادر رئاسة جامعة هارفارد، لماذا سيبقى بين أفضل الاقتصاديين في العالم، وهنا أبان بوضوح كيف أن الاقتصاد الأميركي، أكبر الاقتصادات العالمية نفوذا، يعيش على تمويل عجوزاته الضخمة بامتصاص المدخرات العالمية، ليدق الأجراس بأن هذا النسق لا يمكن له أن يستمر الى الأبد. .

وعودة الى البريطاني كينج، فهو يجادل بأن بوسع صندوق النقد الدولي، كوسيط محايد، أن يأتي بكل الأطراف الى مائدة لتنسيق عملية ضبط تدريجي. ويضرب مثالا أن بوسعه تشجيع الدول الأوروبية على تثوير اقتصادياتها المحلية، وتشجيع الصين على رفع نسب التبادل النقدي وأن تجعل من الطلب المحلي هو ماكينة نموها أكثر من الاستمرار في شره التصدير الذي أشعل رد فعل نحو الحماية في أوروبا وأميركا. وربما، والحديث لكينج، يكون بوسع الصندوق أن يغذي زيادة تدريجية في المدخرات الأميركية مقابل تقليل في الطلب الأميركي من توريد الاستيراد حتى يتقلص العجز الأميركي الضخم تدريجيا في مكان تصاعده المخيف.

والشاهد أن أميركا لا تزال قائدة النظام الاقتصادي العالمي، ولكنها وللأسف لم تسلك السلوك الذي يواكب تلك القيادة. ومن هنا جاء الوقت أمام إدارة بوش للمساعدة في خلق صندوق نقد دولي جديد يمكنه اصلاح الهيكل العالمي للاقتصاد قبل أن يضرب الإعصار الجميع.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)