برغم الطلاسم: أشعة مقطعية للحالة العراقية

TT

اعتمد الرئيس بوش على حدسه تجاه قادة آخرين، في صياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، خلال السنوات الخمس السابقة. هذه العادة قادته الآن الى طريق خطر في العراق، حيث اضطر بوش ومساعدوه للجوء الى شخصيات وشعارات خاوية، مناشدين بتشكيل حكومة وحدة وطنية كحل للأزمة السياسية المتفاقمة هناك.

من النظر في عيني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2001 لمعرفة ما بداخله، مرورا بتغيير جداول العمل والزيارات وقواعد البروتوكول بغرض استضافة الرئيس الايطالي سيلفيو بيرلوسكوني في البيت الابيض في 28 فبراير (شباط) الماضي، خلال الحملة الانتخابية الشرسة في ايطاليا، اضفى بوش بعدا شخصيا على القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، على نحو تجاوز الحدود التي راعاها غالبية من سبقوه في البيت الأبيض.

على إدارة بوش ان تبدي اهتماما اكثر باحتواء العملية السياسية، التي فرضتها في العراق، مع الابتعاد عن دعم وتأييد فرص بعض السياسيين العراقيين، الذين يشعر بوش بالارتياح تجاههم وقطع الطريق أمام الذين لا يشعر تجاههم بالارتياح.

الحديث عن الاخفاق في التعامل مع المسألة العراقية، ليس بقصد الاساءة للرئيس بوش. إذ لا أحد «يعرف» في هذه المرحلة كيفية وضع وصفات صارمة أو موعد نهائي لإنجاز شيء محدد، أو تفويض السياسيين على اساس الشعور والحدس. ما يحدث في العراق يحتاج الى تخطيط مستقبلي مع التعامل بالمرونة اللازمة والتركيز على المؤسسات، بدلا عن الأفراد.

هذا لا يعني بأية حال، ان الولايات المتحدة عاجزة في العراق. سحب القوات الاميركية من شوارع العراق اولا ثم من مدنها بنهاية العام، وهو مقترح تحدثت عنه في مقال سابق، يمكن ان يساهم في الاستقرار، ولكن مع وضوح الأغراض وفي ظل استراتيجية سياسية، لا تكون خاضعة لما يحبه او يكرهه الرئيس بوش.

وخطورة شخصنة السياسية العراقية كانت واضحة من التدخل العلني لوزيرة الداخلية كوندوليزا رايس في الاسبوع الماضي، في المعركة حول المدة الجديدة لرئيس الوزراء ابراهيم الجعفري. واعتبر العراقيون (عن حق) زيارتها لبغداد مع وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، كجهد لعرقلة الجعفري وتمهيد الطريق لمنافس له هو عادل عبد المهدي، المفضل حاليا للبيت الابيض. وحتى الشخصية العراقية المفضلة من قبل لبوش وهو اياد علاوي، ابعد نفسه من مهمة كوندوليزا رايس وسترو بالبقاء خارج البلاد، وتباهى بها خلال مقابلة مع صحيفة «الشرق الاوسط». وإذا ما نجحت، فإن ملاحظات كوندوليزا رايس تضمن ان عبد المهدي سيعتبر رجل اميركا، وهو ليس بالضرورة ميزة عظيمة في العراق في الوقت الراهن. كما ان الادارة ستضع ثقلها وهيبتها لتحطيم التحالف الشيعي الذي حصل على معظم المقاعد في الانتخابات الديموقراطية التي جرت في شهر يناير الماضي، ثم رشح الجعفري لولاية ثانية.

وتجدر الاشارة الى ان شق صف الشيعة، سيؤدي الي تفتيت البلاد وليس الى «حكومة الوحدة الوطنية»، التي تطالب الادارة الاميركية بالإسراع بتشكيلها، للاستمرار في التأييد الاميركي للعراق. ان النظام السياسي الذي تركه اول حاكم لبوش في العراق وهو بول بريمر الثالث، يخلق نظاما للتوازن والرقابة يجعل من المستحيل تشكيل حكومة مركزية، بل ولا العمل كقوة لإعادة مركزية العراق. وتعترف ترتيبات بريمر بحاجة البلاد الي حماية فيدرالية لأقاليم البلاد الثلاثة المميزة، وهي حماية لا يؤيدها سفير بوش الحالي زلماي خليلزاد.

لقد كان العراق بلدا يمكن التكهن بما سيحدث فيه في ظل ديكتاتورية صدام حسين، التي كانت تعكس الشخصية القاتلة لرجل يسهل التكهن بأفعاله. وبالرغم من كل مشاكله، فلم يعد العراق مثلما هو عليه اليوم.

*خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست»

Hoagland - J@LIL - J@LIL