حين تفتعل مواقف للكاميرا

TT

تجمهر اللبنانيون حول شاشة التلفزيون مساء الأربعاء الماضي يترقبون ما إذا كانت مشاهد المشادة التي شهدها مجلس الوزراء قبل أسبوع ستكرر، وما إذا كان رئيس الجمهورية إميل لحود «سيفتفت» أحداً هذه المرة أيضاً على غرار ما أعلن أنه سيفعل الأسبوع الماضي بالوزير أحمد فتفت الذي كان بدوره قد شبه لحود بالممثل عادل إمام.

أتت تلك الواقعة وتداعياتها لتكون بمثابة مأساة ملهاة على حد تعبير كثيرين.

قبل ما جرى في مجلس الوزراء كان قد فات على اللبنانيين أن يتابعوا بالصوت والصورة المشادة التي كانت وقعت في الخرطوم بين لحود ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة لأن الكاميرات كانت قد أخرجت من قاعة اجتماعات الرؤساء العرب وبالتالي لم يسمح لها بنقل الواقعة.

الشاشات اللبنانية نقلت مشاهد لاجتماع حكومي يبدو في الشكل عادياً قيل أنه كان إيجابياً وهادئاً.

هذا الهدوء بدا مفتعلاً أيضاً، فكأن شيئاً لم يحدث أمام كاميرات الشاشات المحلية والفضائية في مجلس الوزراء اللبناني في حادثة لم يسبق فيها أن اطلع الرأي العام اللبناني أو العربي بالصوت والصورة على مشادة بين رئيس الدولة وبعض الوزراء على النحو الذي تم!

ليس خافياً أن الرئيس لحود وهو المعروف عنه أسلوبه العسكري في التعامل قد استدرج أمام الكاميرات فأتى أداؤه ليثبت الصورة التي انطبعت عنه في ذهن اللبنانيين بصفته شخصاً انفعالياً نادراً ما تسعفه العبارة.

يعرف خصوم لحود جيداً نقاط ضعفه وسعوا لإظهار ذلك أمام العدسات فأتى ذلك الحوار الساخن، فأبقى المصورون كاميراتهم تعمل رغم أن حرس القصر الجمهوري باتوا يدفعونهم دفعاً للخروج حتى بدا أن أحد المصورين كاد يرتطم بالحائط لكنه بقي جاهداً يسعى لالتقاط ما أمكن من ذلك المشهد السياسي المثير.

قضية استغلال حضور المصورين لإبراز موقف أو افتعال حماسة ليست أمراً جديداً ولا طارئاً فهذا يتكرر باستمرار بشكل يتراوح ما بين الذكاء والابتذال بحسب الحالة أو الموضوع. ولعل سطوة الشاشة ومحاولة استغلال بريقها هو بالذات ما دفع بالمحامية اللبنانية بشرى الخليل إلى أداء تمثيلي مشابه في محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.. إذ ما أن جرى عرض شريط فيديو يظهر فيه صدام مستخدماً عباراته القمعية المعروفة حتى هبت المحامية الخليل صارخة وملوحة بصور معتقل أبو غريب. كانت الخليل تعي تماماً أن لا وجه للمقارنة بين شريط فيديو صدام وصور تعذيب معتقلي أبو غريب..بدا جلياً أن المحامية التي عرف عنها علاقتها الوثيقة بالنظام البعثي وبصدام حسين كانت تحاول صياغة خبر طردها من المحكمة بالصوت والصورة فبالغت بانفعالاتها كي تضمن أن وجودها في المحكمة لن يكون صورة عادية مملة كحال صور جلسات كثيرة للمحاكمة.

عادة ما كانت السياسة تستدرج الصحافة وتغريها بتصيد مواقف وأخبار.

في بلادنا يبدو الحال معاكساً إذ باتت الكاميرا تستدرج السياسيين والإعلاميين أو أي عاملين في الشأن العام إلى الصورة التي ترغبها الشاشة. الصورة التي تخلو من «الأكشن» أو لحركة ليست جذابة وبسبب هشاشة حياتنا السياسية صار من الممكن للكاميرا أن تكون متطلبة أكثر من دون أن يجد السياسيون حرجاً في تلبية ذلك.

diana@ asharqalawsat.com