بازار فتاوى!

TT

يتملكني افتراض بأن من النساء المسلمات من يعشن حالة حيرة أمام بازار الفتاوى المتباينة في ما يخص حجابهن وزواجهن وشهادتهن، بل والكثير من ضروب حياتهن، ولست أدري لماذا تحظى المرأة على نحو خاص بجل هذه «الفتاوى» بحيث يتم التركيز عليها بشكل مكثف وكأن العالم امرأة.

وفي عدد الأحد الماضي من هذه الصحيفة، خبر يشير إلى أن الزعيم السوداني الدكتور حسن الترابي أصدر مجموعة من الفتاوى المثيرة للجدل، مثل ادعائه بأن للمسلمة الحق في زواج المسيحي أو اليهودي، وأن الحجاب لتغطية الصدر، كما أن شهادة المرأة تعادل الرجل، ولست هنا في مقام مناقشة الدكتور الترابي فذلك من شأن أهل الاختصاص، ولكنني أتساءل عن طبيعة «الإلهام» المفاجئ الذي هبط على الدكتور الترابي وجعله يصدر كل هذه الفتاوى بالجملة دفعة واحدة في هذا التوقيت بالذات، من دون أن يوضح لنا، أو للمرأة على وجه الخصوص، أو لأقرانه من الفقهاء، مرتكزات هذه الفتاوى.

والدكتور الترابي ليس وحده الذي خاض في هذا المجال، فقائمة الذين تخصصوا في الإفتاء في شؤون المرأة، تضم الكثير من العلماء وأنصاف العلماء وغير العلماء، وفي غياب اتفاق العالم الإسلامي على مواصفات المؤهل للإفتاء، وأمام كثرة الذين يدعون الحق في الفتوى، وأولئك الذين يتجرأون عليها، أشعر بحجم الإشكالية التي تواجه المرأة المسلمة التي تبحث عن الصواب وسط هذه التباينات من الفتاوى والآراء التي يدعي أصحابها امتلاك الحقيقة، خاصة وأننا لا نفترض أن كل المسلمات على درجة من الوعي والثقافة تؤهلهن لتقويم مختلف الآراء، ومنهن من يعشن في المهاجر بعيدا عن المجتمعات الإسلامية التي يتوفر في بعضها هيئات ومؤسسات للإفتاء والاستشارة بحيث يمكن للمرأة اللجوء إليها طلبا للعون المعرفي في مواجهة شتات الأفكار.

وأشعر والحالة هذه، أن تحديد مصادر الفتوى قد بات أمر ملحا في زمن استسهل فيه البعض شأن الفتوى، وأن على الأمة الإسلامية أن تسارع في تنفيذ التوصية التي وردت في قمة مكة المكرمة الأخيرة بخصوص أهمية إصلاح مجمع الفقه الإسلامي ليكون مرجعية فقهية للأمة الإسلامية تسهم في إغلاق هذا البازار المتناثر وتوحيد مصادر الفتوى أو تكثيف التنسيق بين جهاتها، فالناس تحتاج لأن ترسو على بر آمن، ولكنها قد تفتقر في بعض الأحيان إلى الفنار الذي تطمئن إلى ضيائه فتتبعه.

[email protected]