إنما أردت أن أقول!

TT

أي أنه كان في نيتي أن أقول شيئا آخر غير الذي فهمه القراء. أي أن القراء لم يفهموا ما قصدت، ولكن لماذا؟ إما أن يكون الموضوع غامضا صعبا، وأنا لم أحسن الإحاطة به والتعبير عنه، وإما أن يكون الموضوع واضحا سهلا، وأنا رغم ذلك باعدت بين أوله وآخره، فكان غامضا. والعيب في الكاتب وليس في القارئ.

أي أردت أن أقول إنني كنت محظوظا فقد شهدت ميلاد عدد من الأدباء، فقد عايشت أول أعمالهم الأدبية، وكتبت عنها وفرحت بها، وقد حدث في خمسينات القرن الماضي، والعالم ينتظر الموهبة والمعجزة ومصابيح الهداية في عالم ما بعد الانهيارات الفلسفية والسياسية، ولان الناس ينتظرون الموهبة والمعجزة، فقد تعجلوهما، واخترعوا مواهب مزيفة، وظهر من بينهم أنبياء كاذبون وآلهة مخرفون، ولكن الناس ينتظرون دائما وعندهم استعداد لذلك، وظهرت في فرنسا شاعرة عمرها خمس سنوات، واهتزت الأوساط الدينية والأدبية، ثم ظهرت أديبة فرنسا فرنسواز ساجان.

وظهرت أديبات شابات أخريات أسعدننا في سورية ولبنان ومصر، وانفتحت النوافذ على نسيم عليل وعطر جديد، وعلى صرخات وثورات، وعلى أدب له أظافر طويلة تمزق الحب والشر والحياء وتخربش الرجل المانح المانع لحرية المرأة، وكنت هناك.

وعايشت الأديبة المصرية التي انتحرت، عنايات الزيات، ونشرت لها وانتظرتها وقالت ولم تكمل، فقد قررت أنه لا شيء يساوي لا هي ولا حياتها ولا أسرتها ولا أولادها.

وساعدت على ميلاد وانتعاش أديبة إيطالية هي سينا روصنم، وهي أقربهم لي وأكثرهم ارتباطا وحزنا وطباعها أيضا.

وفجأة وبلا مقدمات ظهرت أديبة طبيبة سعودية جاهزة هي د. سعاد جابر، لقد تدربت طويلا على القول فكشفت عن منجم من المعاني الجميلة الأليمة البليغة.. فكانت عباراتها حبات من اللؤلؤ والماس.. وهي في الحقيقة دموع استطاعت بالصبر وبالعقل أن تجعل لها شكلا وأن تجعل الشكل عقدا حول عنقها أو قلمها أو أن تزف نفسها عروسا للأدب العربي الحديث.

إنما أردت أن أقول إن الذي وهبنا مثل هذه الثريات البديعة الجريئة الحرة، لقادر على أن يجود علينا بمزيد منهن ـ آمين!