براهين الحب

TT

سألني: هل أنت رجل حكيم؟!، فوجئت واستغربت وأعجبت بسؤاله دفعة واحدة، فهذه أول مرة في حياتي يسألني إنسان هذا السؤال الرائع، فقلت له بغرور وأنا أتصنع التواضع: نعم أنا رجل حكيم، ولكن لماذا تسألني؟!، ماذا لديك؟!، قال: إنني أحب زوجتي وزوجتي كذلك تحبني، غير انني لا أطيقها وهي كذلك لا تطيقني، سألته: هل سبق لك أن ضربتها وهي كذلك ضربتك؟!، أجابني: نعم كلانا سبق له أن (مدس) الآخر، سألته ما معنى (مدس)؟!، قال: معناها ضرب الآخر (بالمداس) ـ أي بالشبشب وأحياناً بالحذاء ـ، قلت له: أعوذ بالله ان هذا السلوك لا يتفق مع مواصفات الحب، ثم ان هناك وسائل أخرى يا أخي أكثر لطفاً كأن يضرب بعضكما بعضا بالحزام مثلا أو العقال والخيزرانة أو أي وسيلة حضارية أخرى، فكيف تحبها وهي تحبك ولغة الحوار بينكما هي هذه الوسيلة الرخيصة والقذرة؟!، ويبدو لي انه لم يفهم كلامي جيداً، لأنه سرعان ما صحح لي عندما قال: لا يا عبيط، ان بعض الجزم التي ضربتني بها لم تكن رخيصة لأنها من أغلى الماركات، وبعضها كانت نظيفة جديدة لم تلبسها بعد.

عند هذا الحد عرفت أنني أتحدث مع إنسان شبه (خرع)، ورغم أن قلبه طيب، إلا انه قلب خروف، فقلت له بعد أن ارتديت رداء الحكمة وأحكمت إغلاق ازاريره: اسمع أن هناك خمسة براهين مثلما يقولون هي البراهين الدالة على الحب، إن استطعت أنت وزوجتك أن تطبقانها في حياتكما المشتركة وصلتما إلى بر الأمان، وان لم تستطيعا فذنبكما على جنبكما، سألني: هل هي صعبة وعسيرة؟!، قلت له: نعم وفي نفس الوقت هي سهلة ومبذولة، سألني: ما هي؟!، قلت له: أولاً: (الحرية)، لا بد أن يفسح كل واحد منكما مجال الاستقلالية لشريك حياته، قال: هذا ما فعلناه، لقد اتفقت معها على أن أضارب بفلوسها في بورصة الأسهم، وهي لها الحق أن تشتري ما تشاء من مكاسبها، غير أنني في المدة الأخيرة خاطرت في الوقت الذي انهارت به الأسعار فضاعت وتبخرت كل فلوسها مما دفعها إلى أن تصب جام غضبها عليَّ وعلى أجدادي الذين نفضوني.. فأجبته دون أية شفقة قائلاً تستاهل، وثانياً: (نكران الذات)، كم مرة في الأسبوع قلت لزوجتك: إنني احبك؟!، قال: ولا مرة، أجبته وهذه هي الطامة الثانية، أما الثالثة فهي: (الاعتذار)، هل سبق لك أن جثوت عند قدميها وقلت لها بعد خطأ فادح: سامحيني، إنني آسف، قال: والله لم يحصل ذلك، قلت له: يا خيبتك، أما البرهان الرابع فهو (العلاقة الحميمة) ـ أي الواسطة التي بدونها لن يكون لكما أبناء ـ: هل سبق لك أن أرسلت لها إشارات غير مباشرة لتحقيق ذلك واستجابت هي، قال: لا فالإشارات دائماً تأتي منها، وأتظاهر انني لست بفاهم، والواقع انني أريد ذلك بشغف (وحرقصة) ولكنني لا أستطيع:، قلت له: إذن اذهب وعالج نفسك، أما خامس البراهين فهو (المال)، لا تجعلاه يسيطر على حياتكما، اكتبا لي وكالة لكي أنميه واصرفه عليكما، قال: خليني اسألها، قلت له: اسألها.

تركت ذلك الزوج (الغلبان) أكثر من غلبي أنا، ورحت أتذكر ذلك (المليونير) الذي عندما مات كانت وصيته أن أمواله جميعاً تذهب إلى زوجته على شرط أن تتزوج بعده، وذلك من اجل أن يتعذب زوجها الجديد في حياته مثلما تعذب هو.

ترى كم من الأزواج يتمنى ذلك؟!

[email protected]