مهما قيل.. مبارك «معلم»!

TT

قامت الدنيا ولم تقعد عندما حذر الرئيس مبارك من خطر إيران على أمن الخليج ودور التجمعات الشيعية في الخليج في تقوية شوكة إيران في المنطقة.. ترى كيف يقرأ جهابذة المنطقة تعليقات مبارك على ضوء ما أعلنه احمدي نجاد عن قدرة ايران على تخصيب اليورانيوم؟!

أعرف أنني سأتعرض لسيل من الشتائم من المصريين الغاضبين على الرئيس وكذلك من الشيعة في الخليج وغيره، ولكنني أطالب هؤلاء بألا ينظروا الى مبارك كرئيس ولو للحظة، ولينظروا اليه في أسوأ الفروض على انه قائد قاطرة، هذا القائد أيها النبهاء مر بهذا الطريق «رايح جاي» لمدة ربع قرن كرئيس، وتقريبا عشر سنوات كنائب للرئيس، ظني ان قائدا أو سائقا مثل هذا يعرف كل أخطار الطريق، مطباته الطبيعية والصناعية، ولصوص الطريق وقطاع الطرق، وأماكن وجود المجرمين والمخربين... أي انه يستطيع الآن ان يسير في هذا الطريق وهو معصوب العينين، ومن هنا علينا ان نفهم تعليقين قالهما لقناة «العربية»، أولهما التحذير من خطر إيران على أمن الخليج خاصة، والمنطقة بشكل عام، وثانيهما تعليقه حول كارثة خروج الأمريكان.

دعني أفسر لماذا هو «معلم» في التعليقين.

أولا رضينا أم كرهنا، إعلان احمدي نجاد يخل بمعادلة الأمن في الخليج، سواء أكان ما قاله صحيحا أم «تهويشا». أمن الخليج اختل.. يا رجالة، ولإيجاد توازن مع ايران النووية لا بد لدول الخليج مجتمعة أو فرادى ان تبحث عن مظلة أمنية (Security Umbrella) سواء من الأمريكان أو من منظمة «ناتو» على غرار تركيا... ولكن خيار دول الخليج اليوم كالذي يشتري مظلة لحظة هطول المطر.. أي مظلة والسلام المهم ألا تبلل ملابسه. تحذير مبارك جاء سابقا لهطول المطر.. وفي هذا السياق لو قالت أمريكا اليوم لدول الخليج إنها ستنسحب من العراق غدا لرفضت كل الدول.. ذلك لأن أمريكا اليوم هي الرادع الوحيد لإيران النووية.. ومن هنا يكون الخروج الأمريكي من العراق كارثة.

رغم أنني اعرف أن المصريين والرئيس مبارك لا يفضلون الإدارة الأمريكية الحالية أو حتى التعامل معها... لكنه يتعامل مع الأمر الواقع، قائد القاطرة الذي مر بالطريق آلاف المرات يعرف أخطار الطريق ويشتم الخطر على بعد أميال.

أما موضوع شيعة الخليج وعلاقتهم بإيران فكان هذا واضحا من حالة البهجة التي انتابت البعض عندما أعلن احمدي نجاد ان ايران استطاعت تخصيب اليورانيوم.

نسي هؤلاء عالم العلاقات الدولية وظنوا ان قنبلة ايران هي قنبلتهم، وليس الشيعة وحدهم من هللوا للتخصيب ولكن الأصوليين السنة هللوا له ايضا، الحقيقة المرة كما قلت في مقالين سابقين عن ايران وعلى صفحات هذه الجريدة هي ان عنصرية ايران تجاه العرب اكبر بكثير من عنصرية الأمريكان.. على الأقل عندما تقول للأمريكي انه ابن حضارة مائتي عام وأنت ابن حضارة قديمة «يكش شوية». أما الإيراني فدائما ما يقول لك انه ابن حضارة قديمة وابن الامبراطورية الفارسية وانه «سيدك من زمان». الخطر الايراني على دول الخليج اكبر بكثير من خطر الأمريكان، فخطر أمريكا.. الجار البعيد.. هو خطر ساعة اما خطر ايران فهو خطر كل ساعة. لأنك لا نستطيع ان تأخذ بلدك وترحل عن جارتك ايران.. ولكن أمريكا طال الزمن او قصر فهي سترحل.

تصريحات احمدي نجاد وضعت المنطقة في وضع حرج، وهنا أضع أمامكم ستة تغيرات أكتبها بطريقة تلغرافية مستعجلة، أولها هو أن احمدي نجاد 2006 هو اقرب الى عبد الناصر 1956 سيجر على المنطقة ضربات ثلاث دول هي أمريكا وبريطانيا واسرائيل و... وبينما كانت أمريكا قادرة على إقناع المحتلين بترك مصر عام 1956 فليست هناك قوة ستمنع هذه الدول عن ترك ايران.. ناصر ساعده الأمريكان، اما احمدي نجاد فيساعده الزرقاوي ومتطرفو الشيعة والسنة معاً في دول الخليج.

ثانيا، احمدي نجاد فرض على دول الجوار معادلة أمنية جديدة تفرض على دول الخليج إما أن تدخل تحت مظلة أمنية مثل «ناتو» او أن تطور سلاحها النووي الخاص.

ثالثا، تصريحات احمدي نجاد ستخل بالوضع الداخلي في العالم العربي عموما والخليج خصوصا، فكثير من العرب اليوم وخصوصا المتطرفين سيهللون لأحمدي نجاد على حساب قادة أوطانهم.

رابعا، ستفرض تصريحات احمدي نجاد على دول مثل تركيا أن لا تكتفي بمظلة «ناتو» وتبحث عن ميزان ردع لدولة من دول الجوار.

خامسا، احمدي نجاد يحاول ان يفاوض الأمريكان من موقف الندية في العراق لأنه دخل كما قال النادي النووي.. أمريكا ستطالب من يدخل النادي بأن يلعب أيضا، واللعب هنا معناه الدخول في حرب لاختبار القدرات.

سادسا، وهو المهم، ان القنبلة التي في يد ايران، ليست القنبلة التي في يد اسرائيل، فأحمدي نجاد غير مضمون، وان موضوع القيادة والتحكم وكذلك قلة الخبرة من ايران تجعل موضوع أمن القنبلة النووية الإيرانية محل شك في أحسن الأحوال.

لقد حذرت في مقالين سابقين من الخطر الإيراني، وكذلك حذرت من اللوبي الإيراني، نفس التحذير الذي حذرته من اكثر من شهر هو ما قاله الرئيس حسني مبارك صراحة.. مبارك «معلم» ليس لأن آراءه توافقت مع آرائي حول الخطر الإيراني، ولكنه كما ذكرت في السابق رجل مر بهذا الطريق آلاف المرات، ويعرف الخطر حتى لو كان معصوب العينين.. فمهما قال الشامتون.. فرضيت أو كرهت.. أو لم يعجبك أسلوب الرجل.. مبارك ببساطة.. معلم.