العراق : صرختان ورسالتان..!

TT

* الى سيدي الماضي:

مشكلتك أنك لا تفهم الحدود التي يمكن للحكومات أن تحقق فيها انجازاتها. والى ذلك فقبل كل هذه القضية المتعلقة بالعراق، كان عليك أن تقرأ مقال إيلي كودوير عن الاحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، وذلك ليس متعلقا بمسألة أن التاريخ يعيد نفسه، ولكنه نفس النموذج أو النمط المنكسر.

ملخص مقال كويدور أن كل الأمر لم يتعد حمامات الدماء والخيانة. مقال كويدور يكشف كيف أن كل السياسة في العراق ظلت تتميز بأحداث القتل والأحقاد المستوطنة والعنف من السنة، والتطرف من الشيعة.

والمقال يكشف للغربيين سذاجة أنهم يعتقدون أن بوسعهم تغيير كل ذلك، ويستشهد بمذكرة لضابط بريطاني يقول فيها إن على بريطانيا أن تهدد بالانسحاب لأن ذلك سيجبر العراقيين على السلوك بصورة مسؤولة. وما اشبه الليلة بالبارحة، فالدرس المركزي خلال السنوات الثلاث الماضية هناك يقول إن تغيير المجتمعات ليس بتلك السهولة، ومن هنا فعلينا أن نغير عقلياتنا وأن نعود الى عقليات أكثر واقعية في توقعاتها.

* الى سيدي المستقبل:

قرأت في حقيقة الأمر كويدور، ولكني أعدت الليلة الماضية قراءة قصة «الخروج»، وهي قصة توحي لنا أن بوسع الناس أن يغيروا أنفسهم وأوضاعهم، لتعيد تذكيرنا بأن الناس الذين يؤسسون أنفسهم على أرضية رحلات أجيال هم الحقيقيون، ذلك لأن أدق وأجمل الاشياء التي قدمها الناس قد تمّ إنجازها من إطار عقل «الخروج» أو قل الهجرة والترحال.

والى ذلك فهذا البلد الأميركي قد استقر وقبل ذلك تم إيجاده من قبل آباء أسسوا لعقلية الخروج والترحال، فيما قاد حركة الحقوق المدنية أناس من نفس العقلية، وقد تعلم مارتن لوثر كينج، من الخروج والهجرة، أنه ليس كافيا أن تجلس وتنظر الى التاريخ وتتركه يدور بطريقته.

* الى سيدي الماضي:

ليس من حقك أن تجبر الآخرين أن يضحوا من أجل رؤاك البعيدة من أجل اللبن والعسل، فإلى أي مدى زمني تفترض أن على إمرأة شابة من النجف أن تعيش القهر فيما أنت تنتظر نهاية للرحلة العربية عبر مسارات الفوضى والدمار؟.

ومشكلتك أنك، وببراءتك، ليست لديك فكرة عن المدى الذي تأخذه العمليات التاريخية لإنجاز أهدافها، ولا عن الاستمرار العميق للثقافات التي تنتشر مرتدة عبر القرون لتشكل السلوك الإنساني، وأن على الناس الذين يعيشون المعاناة من أجل الديمقراطية أن ينظروا الى تأثير أجور عمالهم على حياتهم نفسها.

ومن هنا فالبديل هو أن تطور طريقة تفكير لا تحاول معها أن تحل مشاكل تاريخية، ولكن، وفي مقابل ذلك، يوالي التاريخ تقديم ما هو غير متوقع حادثة بعد أخرى. لذلك فلتبحث عن التوازن، وأن تبحر خلال العواصف للإبقاء على بعض النظام والنسق الموضوعي ماثلا للعين ليوم آخر إضافي، ولكن في سعي لا يعرف التوقف.

* إلى سيدي المستقبل:

تذكر أن عدد العراقيين الذين ماتوا في حرب العراق الأولى أقل من الذين ماتوا في الثانية، وحين سحق صدام حسين الشيعة صمتنا، ولم يكترث العالم، ولم تكن هناك تظاهرات في الشوارع، فكنا جميعنا واقعيين. ومن هنا فهذه الأمة ستؤسس طريقة تفكير واحدة بعد سرطان العراق الذي أصابها، ومزاج الشعب الآن معك، مع أني لا أتخيل أن رؤيتك هي التي ستسود، وللأسف.

* خدمة «نيويورك تايمز»