مقاطعة العرب

TT

قاطعت الحكومة العراقية مؤتمر دول الجوار في القاهرة، بذريعة تصريحات الرئيس حسني مبارك: مؤتمر ضمن اطار الجامعة العربية، معقود من اجل العراق، تقاطعه حكومة ابراهيم الجعفري، التي انهار العراق في ظلها بنسبة 70% على الأقل، في كل الحقول، وفي كل المجالات، وفي كل الاتجاهات، وخصوصا في الأداء الرسمي.

تصريح الرئيس مبارك، غلب عليه التعميم، وكان ينقصه الحذر. فليس مقبولا ان يشير رئيس مصر الى حقيقة خلافية، مهما كانت نسبتها من الصحة. وقد جاء الرد سريعا من عدد من الدول التي تربطها علاقة ممتازة بمصر، لكنها لا تريد ان تشكك في مواطنيها وولائهم. الا ان الردّ العراقي بالمقاطعة، كان بدائيا وعنفيا وخاليا من الهدوء الدبلوماسي. فالذهاب الى مؤتمر القاهرة كان اقوى ردّ على ان العراق لا يغامر بعروبته من أجل ايران. وابراهيم الجعفري الذي زار طهران اولا، وتركيا ثانيا، كان يمكن ان يؤكد ان لديه بعض الاهتمام بالجوار العربي، لو انه لم يمنع وزير خارجيته من الذهاب. فالجامعة ليست مصر.

هناك ازمة واضحة ومعلنة بين العراق وجواره العربي، ولا بدّ من الاقرار بها. وهناك علاقة متصاعدة بين العراق وايران، وهي ليست خافية على احد، ولا هي مدعاة حياء. وهناك وضع مأساوي في العراق، حسب تعبير الأمير سعود الفيصل، لا يردّ عليه بالمزيد من مقاطعة العرب والمزيد من الذوبان الرسمي في علاقة ذات بعد واحد مع ايران.

هناك ميزان سياسي او جيوسياسي في المنطقة، لا يمكن التعاطي معه بصبيانيات المقاطعة والتجاهل والهرب الى الامام في الظلمات المحيطة والمحلّقة. والبحث عن حل او شبه حل في العراق لا يكون بالهروب من العرب ولا بدعوتهم الى العراق، بل بالذهاب الى العرب ومطالبتهم بتحمل المسؤولية الممكنة.

لكن حكومة الجعفري تعاطت مع العرب وكأنهم اضافة لا ضرورة لها. وتعاطت مع العراق وكأن هويته العربية عبء من الماضي، يجب التخلص منه. والتذرع بتصريح غير حذر للرئيس المصري من اجل تبرير جميع المظاهر اللاعربية او حتى المعادية للعرب، هو في الحقيقة عمل صبياني وليس خطوة دبلوماسية او سلوكا دبلوماسيا. فإذا كان كلام الرئيس مبارك قد اثار ازمة، فالخطوة الواجبة هي السعي الفوري الى حلها، او الى توضيحها، او الى منع مضاعفاتها. الا ان العراق الرسمي تصرّف وكأنه كان ينتظر التصريح غير الحذر من اجل تحويله الى مشكلة، ومن ثم الى ذريعة تساعد في التباعد بين بغداد والجوار العربي. كذلك يسهل استخدام كلام مبارك لتصوير ايران بأنها متهمة ظلماً في العراق، وانها مجرد ضحية يفترى عليها!