وكان نوم الرئيس على الأرض عميقا!

TT

كان الرئيس السادات يقول إن السياسي الجيد هو الذي عنده إحساس بالتاريخ، أو إحساس بأن له دورا في التاريخ، والذي أيضا يستطيع أن ينام بسهولة، وكان يقول عن الرئيس عبد الناصر، إنه مسكين شديد التوتر، أمامه عدد كبير من الهواتف يتابع بها الأحداث في مصر وخارجها، ويظل طول النهار يشرب القهوة وفي الليل يتعاطى المنومات. ولكن السادات كان يجلس تحت الأشجار وبعيدا عن الضوضاء التي تلوث الأذن وتشوشر على العقل أيضا.

وكنت أقول إن الفرق بين عبد الناصر والسادات ومبارك، هو أن عبد الناصر يجلس وراء مكتبه دائما، ومبارك يجلس أمام مكتبه، وأن السادات يجلس خارج المكتب، أي أن السادات اقلهم توترا. وفي إحدى رحلات السادات إلى غرب أفريقيا، نزلت الأمطار فلم تستطع طائرة الرئيس أن تتحرك ولم يكن المطار مزودا بآلات تدفع الطائرة أو تسحبها لتقف على الممر، ولذلك كان لا بد من أن تجيء طائرة اخرى. وجاءت طائرة بلا كماليات ولا صالون مخصص للرئيس وتحركت الطائرة ليلا. وفوجئنا بأن الرئيس السادات نام على الأرض، مخدة تحت رأسه وغطاء وتمدد ونام بهدوء وبعمق، وقد أعطى تعليماته بألا تتوقف الحركة في الطائرة ذهابا وإيابا من طاقم الطائرة إلى الركاب، وكلهم صحافيون وإعلاميون، وإلى دورة المياه أيضا، فكنا نروح ونجيء من دون أن نصطدم بجسم الرئيس!

والغريب أن الرئيس السادات نام على جانب واحد ولم يتقلب على هذه الأرض الجافة، ولا نحن توقفنا ولا طاقم الطائرة، ولما صحا الرئيس لم يعلق على ما حدث كأنه شيء عادي جدا، شيء غريب!

ومنذ أيام نشرت الصحف، أن وزيرة خارجية أميركا كونداليزا رايس تركت مكانها لضيفها وزير الخارجية البريطاني سترو، ونامت هي على الأرض، ونام هو في فراشها الوثير، ونشرت الصحف هذه القصة دليلا على المحبة والمودة التي تولدت بينهما، وكان نومها على الأرض، في زيارتها المفاجئة إلى العراق، امتنانا لاستضافتها والحفاوة بها في بريطانيا.

ويقال إن العسكريين اعتادوا على أن يناموا في أي وقت وبأي وضع، لأنهم لا يعرفون في أي وقت سينامون بعد ذلك، فعليهم انتهاز الفرصة، وأن يتناولوا أي طعام يجدونه، لأنهم لا يعرفون متى يجدون طعاما بعد ذلك. وأذكر حادثة لرئيس إسرائيل عيزرا فايتسمان، دعاني الى الغداء في بيته في مدينة قيصرية، وفوجئنا به قد أعد لنفسه طعاما وانتحى جانبا وأخذ يأكل، عندها جاءت زوجته ونهرته على ذلك، فاعتذر لنا قائلا، انهم علموه في الجيش إذا وجد طعاما أن يأكل ومقعدا أن ينام!