صدام الثقافات منذ ربع قرن

TT

معاركنا معارك مجلات وأفلام وندوات وكل ألوان النشاطات الثقافية. بدأت بكتابٍ قبل ربع قرن ولن تتوقف لسنين مقبلة، عشر او عشرين أخرى. وهذا ما تنبأ به الباحث صموئيل هنتنجتون القائل بصراع الحضارات، وانكر عليه كثيرون رؤيته تلك. صراع الاصوات والأقلام وليس حروب البوارج والطائرات، ولا هجوم الجيوش على بعضها بالبنادق والايادي والسكاكين عبر الحدود.

الحضارة تعني الثقافة بمعناها المباشر، ما نطرحه في صحفنا واذاعاتنا ومساجدنا ومدارسنا، وما تنتجه الثقافة لاحقا من عقول مهيأة للتظاهر والمواجهة وربما القتال. ضللت الترجمة الحرفية للحضارة القارئ العربي. هنتنجتون عنى بها صراع الثقافات وليس الحضارة كما يعرفها القارئ هنا عادة، ويرمز بها الى الطائرة والسيارة والجسور المعلقة والمباني الاسمنتية الشاهقة.

معناها المباشر الثقافة، ما نقرأه في صحفنا وصحفهم، ونسمعه في منتدياتنا ومنتدياتهم، وما لا نحتمله من قول ولا يحتملون ضده ايضا. هذا هو صراعنا اليوم. ولم يكن صعبا على اي باحث سياسي اجتماعي ان يلمس المشكلة قبل ان يستنتجها هنتنجتون، وتحديدا منذ اندلاع ازمة رواية «آيات شيطانية» لسلمان رشدي، وخلع الايرانيين ربطات العنق، وانتشار الحجاب في الشرق، ونزعه في الغرب، والصخب القائم ضد المصطلحات الاسلامية، وتبني بن لادن لاحقا مشروع الصدام وتقسيمه العالم الى فسطاطين. رواية رشدي سبقتها مئات الروايات مبنية على القصص الديني ولعقود طويلة، ولم تثر حساسية عند احد من الطرفين على مستوى رسمي او شعبي كبير. الجديد في الأمر كان ظهور النظام السياسي الديني في ايران، وما تبعته من صدامات «شعبية» لاحقة ولدتها نزاعات ثقافية مكبوتة.

نحن نمر بمظاهر مختلفة وليست كلها مقالات او رسوما سياسية. ففي ماليزيا جدل حول السماح للقبلات في الاماكن العامة بين الجنسين. وفي اندونيسيا صدام ثقافي صبت زيته مجلة الخلاعة الـ(بلاي بوي) التي بدأت اصدار طبعة شهرية خاصة. لم تدم المحاولة طويلا بعد مظاهرات حاشدة حتى طالبت الشرطة المجلة بالاحتشام او الخروج، وهي حالة هجومية تبدو غريبة لأن المجلات الخلاعية تحولت الى النشر الالكتروني، حتى في الغرب حيث يسمح لها بالبيع ورقيا. السبب ربما ان مجلة الارانب النسائية الفاضحة تنشد الدعاية الخبرية، وهي عادة جرت عليها المجلات الخلاعية لتذكير الناس بها، وهي مطبوعات الفت المضايقة الدائمة. ففي اميركا استهدفها المحافظون الاميركيون وضيقوا عليها حتى قلصوا وجودها ورقيا، وحددوا مبيعاتها، ومن يشتريها. ورغم صراع الثقافات بين الشرق والغرب فلا تستغرب عندما يلتقي الاضداد، ففي بريطانيا أيد نحو مائة محافظ بريطاني حملة يقودها صاحب مكتبة عربي رفع دعوى يريد منحه الحق بالامتناع عن بيع المجلات الخليعة التي تأتي ضمن باقة المجلات التي يفرض عليه ان يبيعها معا او يحرم منها جميعا.

عمليا نحن في وسط الحرب الثقافية التي بشر هنتنجتون وكذبناه حينها. السؤال: اي سنة هذه وكم تبقى على الحرب؟

 

[email protected]