حرية الصحافة.. حرية الإنسان

TT

سئل مونتسكيو عن أخطر الناس فقال: «الممنوع من الكلام لأنه سيتحدث بعضلاته»..

وقيل لبيتهوفن وقد ثقل سمعه:

ـ «أي خسارة عظيمة أن تفقد سمعك وأنت الفنان العظيم!».

فقال:

ـ «ستكون خسارتي أعظم لو فقدت لساني لأنه عنوان حريتي»..

أتذكر هاتين المقولتين وغيرهما في كل مرة أصطدم فيها بقراءة تقارير منظمة «مراسلون بلا حدود» عن الحريات الصحافية، فأجد أن دول عالمنا العربي من الخليج إلى المحيط تقبع في النصف المعتم من التصنيف، فالدولة العربية الأكثر حرية صحافية من بين مجموع الدول العربية وهي الكويت يحمل ترتيبها العالمي الرقم 85 من بين 167 دولة، أي أن الدول العربية جميعها تقع في النصف المعتم من تصنيف الحريات الصحافية بفروق واضحة بين الدولة العربية الأولى والأخيرة.

حتى لبنان الذي تعودت صحافته أن تمتلك أكثر المناخات العربية حرية نجدها في هذا التقرير تحتل الرقم 5 عربيا، فلقد أثقلت الجراح والرياح طائر الفينيق الذي اعتاد أن يغرد في مقدمة سربه، كما أن مصر المعروفة تقليديا بثقلها الإعلامي وأنها صوت العرب صحافيا لم تحتل في ترتيب منظمة «مراسلون بلا حدود» سوى على المرتبة 12 وفق الترتيب العربي في التقرير.

فإذا كان العالم ينظر إلى معيار حرية الصحافة كمؤشر للحريات العامة فإن مثل هذه التقارير التي تنهال على رؤوسنا سنويا يفترض أن تدق كل نواقيس الخطر كي تراجع الحكومات العربية أوضاعها الداخلية من حيث حريات التعبير المتاحة لمواطنيها، فمن المعروف أن الذين يقدرون على الكتابة في الضوء باسمائهم الصريحة لا يرتدون أقنعة مستعارة في منتديات الإنترنت، فليس ثمة خطر على الحكومات من الأفواه الموصدة والأقلام المغلولة، فحرية الصحافة هي حرية الإنسان.

وقد يرى البعض أن المعايير التي تعتمدها منظمة «مراسلون بلا حدود» لا تراعي فارق الثقافات بين المجتمعات، وأنها تستمد معاييرها من ثقافة الغرب التي تتباين مع ثقافات أخرى، ومع افتراض وجود مثل ذلك إلا أنه لا يمكن تحميله بالكامل مسؤولية موقعنا كعرب في ذلك التصنيف، وأن نتخذ من هذا الفارق ذريعة لبقاء الحال على ما هو عليه..

وبصرف النظر عن منظمة «مراسلون بلا حدود» وتقاريرها فإن الصحافة في العالم العربي تحتاج حقا إلى جرعات من الحرية المسؤولة بعيدا عن القوالب الرقابية الكلاسيكية المتوارثة التي تجاوزها الزمن ومتغيرات العصر.. فهل يتحقق لها ذلك؟

[email protected]