هل يؤسس (العميان الاستراتيجيون).. لانفجار فلسطيني لا طاقة لأحد باحتماله؟

TT

المعاقب الشعب الفلسطيني لا حماس ولقد أكمل العميان الحصار النفسي والعسكري والاقتصادي على الفلسطينيين فهل ينتظرون الا ثورة أو انفجارا؟

لماذا اضطربت احوال العالم في مطالع القرن العشرين.. ولماذا اندلعت الحربان العالميتان: الأولي والثانية فيه؟.. أحد الاسباب الجوهرية ـ بالمقياس السياسي والتاريخي والحضاري ـ هو (هزال) القيادات السياسية المعاصرة لتلك الحقبة التي شهدت اضطرابات وحروبا مهكلة.. مع انها قيادات ـ على ما فيها من عقم وكساح ـ كانت افضل عشرات المرات من القيادات السياسية الحالية التي تدير شؤون العالم اليوم، أو ـ على الأقل ـ تؤثر قراراتها فيه تأثيرا عميقا متكررا: بعمى يكاد يكون مطبقا.

ومن الامانة الموضوعية، ومن الاحترام للقارئ: توثيق الكلام بما ينبغي ان يوثق به من قرائن ووقائع:

1 ـ عمدت الادارة الأميركية ـ ومعها الحكومة البريطانية ـ الى تهيئة المناخ الاقليمي والعالمي لشن حرب على العراق قبل سنوات ثلاث، فعلتا ذلك بناء على سلسلة من الاكاذيب والاراجيف، لا يستعصي على العقل المستنير والضمير الحي اكتشاف تهافتها وبهتانها. بيد ان القيادتين العقيمتين العمياويتين صدقتا كذبتيهما، فشنتا الحرب العقيمة.. فماذا كان موقف القيادات السياسية الاخرى في العالم؟.. ان اي مؤرخ سياسي أمين لا يسعه الا ان يقول: ان القيادات السياسية الاخرى في العالم: لم تفعل ما ينبغي فعله تجاه هذه الحرب الغبية. صحيح ان هناك اصوات احتجاج قد ارتفعت، لكنها اصوات ليست في المستوى المطلوب. وهذا الموقف الهزيل دليل على هزال القيادات السياسية المعاصرة في عالمنا هذا: القيادات السياسية التي لم تحسن حساب ما يجري ولا حساب المصائر: ببرهان: ان العراق اليوم (كارثة كاملة): لنفسه وللاقليم وللعالم كله.. والاحتمالات ها هنا اثنان: اما ان تكون القيادات السياسية في العالم ادركت هذا المصير البائس وارادته.. وهذه جريمة سياسية وانسانية واخلاقية وحضارية.. واما ان تكون عاجزة عن (رؤية المصائر). وهذه تهمة تنزع عنها صفة الريادة او القيادة. فمن ادنى خصائص الريادة: ان ترى بوضوح ـ وفي وقت مبكر ـ ما لا يراه عامة الناس، ولا سيما في المجالات السياسية والاستراتيجية.

2 ـ انخرطت قيادات العالم في الحرب ضد الارهاب.. وهذا واجب أمني لا يماري فيه الا ارهابي، او امرؤ فقد الاحساس بأهمية الأمن: الوطني والاقليمي والعالمي.. ولكن كيف اديرت الحرب على الارهاب؟.. من النتائج: يُعرف اداء الادارة.. والنتائج تقول: ان معدلات الارهاب ارتفعت من 30% الى 100% في ذات الفترة التي اشتدت فيها وتيرة مكافحة الارهاب.. وكأن القيادة العالمية ضد الإرهاب قد اتخذت قرارا بتوسيع دائرته وتأجيج ناره وتكثير وقائعه واحداثه!!.

3 ـ ولشهور طويلة: تكهرب الاقليم واوروبا والولايات المتحدة والامم المتحدة بالاحتجاج على ايران بسبب طموحاتها وممارساتها النووية. ولم يترك المحتجون مفردة ولا مصطلحا ولا شعارا الا وظفوه في حملة الاحتجاج هذه: سنضرب ايران.. سنقاطع ايران.. سنعزل ايران.. سنفعل وسنفعل.. فماذا كانت النتيجة؟.. مضت ايران في خطتها حتى بلغت ما تريد من امتلاك (تقنية نووية متقدمة) تؤهلها للاستخدام النووي السلمي او العسكري.. فماذا فعلت القيادات السياسية: العالمية والاقليمية؟.. عادوا للتلويح بذات الشعارات التي رفعوها قبل اعلان ايران عن قدرتها على بناء (قاعدة نووية) نشطة، وكأن هذه الشعارات قد نجحت من قبل في حمل ايران على الكف عن طموحها النووي!.. ويقال ـ في التحليل والتفسير ـ: ان رد الفعل الأميركي الهادئ نسبيا (أعلن رامسفيلد حرص أميركا على الخيار الدبلوماسي في التعامل مع ايران).. رد الفعل الأميركي هذا ذو علاقة ـ كما يقال ـ بصفقه ما كبرى وهي: ان تمضي ايران في نشاطها النووي بشروط محددة معينة.. مقابل مساعدة الولايات المتحدة في تسوية (الشأن العراقي) بصورة تحفظ هيبة أميركا اقليميا ودوليا وبطريقة لا تسبب ـ على المستوى المحلي ـ خسارة مدوية للجمهوريين في الانتخابات التشريعية القادمة (بعد ستة اشهر). او الانتخابات الرئاسية (بعد سنتين ونصف).. والا كيف يفهم اقدام ايران على هذه الخطوة النووية بينما هي تستعد للتفاوض مع أميركا؟! اما على المستوى الاقليمي وقد كان التعامل مع ايران لا يخلو من الضحك (ان اتسع الجو المكفهر لضحكة قصيرة) فباستثناء حالات قليلة جداً: هناك من فقد القدرة على الرؤية الحصيفة والقدرة على اختيار التعبير المناسب المعبّر عن هذه الرؤية الحصيفة المتوازنة.. وهناك من السياسيين أو الإعلاميين من اكتفى بـ (شتم) إيران، وبـ (تعييرها)، وكأن الهجاء أو التعيير هو الذي يحل الأزمات، ويثني إيران عما تفعل!.

تلك وقائع وقرائن تدل على (العمى السياسي والاستراتيجي): الإقليمي والعالمي، وهو عمى يعرّض حاضر البشرية ومستقبلها لمخاطر ماحقة.

ومن شاء المزيد من هذه الوقائع والقرائن الدالة على (العمى الاستراتيجي)، فلينظر: كيف يتعامل القادة السياسيون في العالم مع (الشعب الفلسطيني) في هذه الظروف بوجه خاص.

هناك من صدق: أن هناك جوا ونزاهة في طرح مصطلح الديمقراطية في منطقتنا هذه، وهناك من اعتقد أن الديمقراطية هي (علاج لكل داء): اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي وحضاري و.. و.. (عسكري) أيضاً!.

وفي هذا المناخ العام ـ وبحسابات خاصة كذلك ـ خاضت حركة «حماس» الانتخابات التشريعية الفلسطينية، ولعوامل عديدة: انعطف الشعب الفلسطيني نحوها فصوّت لها، ورجح كفتها في المقاعد النيابية.. وبناء هذه الأغلبية، أي بناء على التقاليد الديمقراطية في كل بلد ديمقراطي: شكلت «حماس» حكومتها.. ولم تكد هذه الحكومة تعلن حتى توالت المقاطعات الاقتصادية والسياسية، ليس لـ «حماس»، لكن للشعب الفلسطيني نفسه: فقد أعلنت كندا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: وقف المعونات الاقتصادية والمالية للفلسطينيين، عمن؟: عن المرأة الفلسطينية التي لا تستطيع أن ترضع طفلها من شدة الجوع، ولا تستطيع أن تجد له لبناً بديلا يسكت صراخه، ويغذي عروقه ـ وعن البنت الفلسطينية التي تعلق مستقبلها بالتعليم فحرمت من وسائله.. وعن الشاب الفلسطيني الذي يريد أن (يكد) في مجال ما لكن يعفّ نفسه، ويقيت أسرته، ولا يضطر لتفجير نفسه.. وعن المستشفيات التي تكفل الحد الأدنى من الرعاية الصحية.. الخ.. الخ.

فهل هذا تصرف يدل على (خلق) إنسان نبيل؟.. دعونا من الأخلاق في عالم يعاني من (السقوط الأخلاقي) الأكبر.. دعونا من هذا، وليكن السؤال: هل هذا تصرف يدل على (بصيرة سياسية واستراتيجية)؟، لا.. لا.. لا.. من هنا إلى يوم القيامة، ذلك أن هذا التصرف يدل على (العمى الاستراتيجي والسياسي).

كيف؟

أولا: ان المعاقب ليس حركة «حماس»، بل الشعب الفلسطيني نفسه كله. فالعقاب هنا (جماعي شامل): عقاب للذين صوتوا لـ «حماس» في الانتخابات (وهذه جريمتهم الديمقراطية!). وعقاب للذين لم يصوّتوا لـ «حماس» (وجريمتهم أنهم فلسطينيون!).. ومعروف أن العقاب الجماعي يلغي القوانين والمواثيق الدولية التي تحرّكه، يلغيها ليرد البشرية إلى عهود (إبادة جماعات بشرية بوسائل الحصار والتجويع والحرمان).

ثانيا: ان لهذا العمى السياسي والاستراتيجي، آثاراً ونتائج مرعبة يجب أن يستعد العميان في العالم والإقليم لتحملها والتمتع الطويل بمرارتها ولظاها.

إن هؤلاء العميان قد (أكملوا الحصار) على الفلسطينيين.. فهناك (الحصار النفسي)، إذ يشعر الفلسطينيون بأن العالم يكتم أنفاسهم ويهينهم لأنهم يطالبون بحقوقهم.. وهناك (الحصار العسكري)، الذي تمارسه إسرائيل.. وهناك (الحصار الاقتصادي) الذي تمارسه إسرائيل وكندا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

فماذا ينتظر العميان بعد ذلك ومعه؟

لا أرض للفلسطينيين.. ولا احترام لإرادتهم.. ولا خبز.. ولا دواء.. ولا مرتبات.. ولا أمل في حاضر أو مستقبل.. فمن الأحمق المجنون الذي يتوقع أن هذه الإهانات والمظالم والضغوط لن تكون (خميرة) عظمى لثورة متقدة، أو لـ (انفجار بشري) لا طاقة لأحد ـ في الإقليم والعالم ـ باحتمال حرائقه وشواظه.

لقد أسس العميان الاستراتيجيون ـ هنا وهناك ـ لانتفاضتين فلسطينيتين واسعتين ممتدتين، فهل يؤسسون اليوم ـ بتجويع الشعب الفلسطيني ـ لثورة كبرى، أو لانفجار هائل؟. بمعنى ظهور أجيال فلسطينية ساخطة عنيفة صاعقة لا قبل لإسرائيل والإقليم والعالم بتحمل حراكها وفعلها وتفجرها.. والعاقل المبصر، من يستشعر الخطر مبكرا ويعمل على دفعه، لا أن يفاجأ بالخطر المحتوم.. وقد يقولون: الأمر سهل!!، نسقط «حماس» فتأتي «فتح» فيستأنف العون الاقتصادي فتنتهي الأزمة.. وهذا نفسه برهان اضافي على العمى السياسي. فالفلسطينيون ليسوا كائنات (غير آدمية) يهمها (العلف) فحسب، بل هم بشر يحبون الخبز، ويحبون الكرامة والحرية كذلك، في وطن حر كريم.. فمتى يبصر العميان؟.. ومتى يرتاح الإقليم والعالم من جرائر عماهم؟.