بين الجعفري والنووي والبابطين

TT

لا يزال تشكيل الحكومة العراقية يتلكأ بكل «جدارة» منذ أربعة أشهر، ولا تزال العقدة هي في ترشيح الدكتور إبراهيم الجعفري من أساسه، جاءت التلميحات من داخل الائتلاف الذي ينتمي له الجعفري، بضرورة استبداله كمرشح لرئاسة الحكومة، وجاءت في نفس الوقت تصريحات واضحة من خارج الائتلاف ـ السنة والعلمانيين والأكراد ـ بأنهم لن يوافقوا على ترشيح الجعفري لرئاسة الحكومة، كل هذا والدكتور الجعفري متمسك بترشيحه، والمشهد العراقي يزداد تعقيدا ودموية، ورفاق الأمس الذي اتحدوا في مواجهة حكم الفرد، يفترقون اليوم بسبب ترشيح فرد من بينهم... مشهد مخجل، ويزداد الخجل حين يستذكر الواحد منا التصريحات التي لا تحصى لساسة عراق اليوم ـ معارضو الأمس ـ بأن هدفهم من المعارضة ليس حب السلطة ولا الشهوة للحكم، ولكن لتخليص الشعب العراقي المنكوب من الدكتاتورية البغيضة!!!

على الجبهة الإيرانية، تصعد حكومة السيد محمود أحمدي نجاد في مواجهة العالم والمنطقة، وتتحدى بمناورات استعرضت فيها تكنولوجيا روسية أكل عليها الدهر وشرب، وتعرض لصاروخ مائي اسمه الكوثر، لا أحد يظن بأن مصمم لضرب نيويورك أو لوس أنجلوس، ولا يصل إلى لندن ولا تل أبيب، ولا تصغي إيران اليوم لكل الدعوات التي تناشدها الالتزام بالقانون الدولي فيما يتعلق بالتسليح النووي، وتكرر على لسان قادتها بأن برنامجها سلمي بحت، ولكنها ترفض التفتيش الدولي، وتكرر المناورات التي لا تخيف أمريكا، بقدر ما تشيع الشكوك في نوايا إيران تجاه جيرانها.

«إنني أعلن رسميا انضمام ايران الى تلك المجموعة من البلدان التي تمتلك التكنولوجيا النووية. هذه نتيجة مقاومة الأمة الإيرانية»، هكذا أعلن الرئيس نجاد في خطاب متلفز من مدينة مشهد يوم الثلاثاء الماضي، وسط هتافات «الله أكبر». ذكرني المشهد بصدام حسين في أبريل عام 1990، حين أخرج صواعق نووية من جيبة قائلا أن العلماء العراقيين قد طوروها بأنفسهم بعد أن منعها الغرب عنهم: الصيحات في المشهد العراقي كانت مختلفة: «صدام اسمك هز أمريكا».

مليارات من الدولارات التي يحتاجها الإنسان الإيراني البسيط، راحت هباء لتحقيق طموحات رجال السياسة في طهران تحت مبررات وحجج لم تستطع أن تقنع العالم بها...

في مقابل مشهدي التسليح ـ في إيران، والتمسك بالترشيح ـ في العراق، نرى أن شخصا لا علاقة له بالسياسة، يصرف من ماله الخاص سبعة عشر مليون دولار، ليبني مكتبة في الكويت هي الأولى من نوعها متخصصة بالشعر العربي، السيد عبد العزيز سعود البابطين معروف بأنه رجل عصامي بنى نفسه من عدم، وأصبح واحد الأثرياء العرب القلائل الذين رهنوا من أموالهم الكثير لأعمال الخير والثقافة والعلم، درس ولا يزال يدرس مئات من الشباب العربي والمسلم على حسابه الخاص في جامعات مختلفة، وبنى ولا يزال مؤسسات تعليمية لدول معوزة..

المكتبة الفريدة تحوي كل ما سجل من شعر العرب، ومخطوطات نادرة تم تجميعها من كل مكان، ومجهزة بأحدث أجهزة التكنولوجيا المعلوماتية، خدمة للباحث ولمتذوقي الشعر ومحبي الشعراء.

تستعرض المشاهد، فتختلط حبال مشاعرك بنابلها: هناك من يصرف المليارات لبناء المفاعلات بأخطارها والتشكيك في جدواها، وبين ذاك الذي يتمسك بترشحه لرئاسة الحكومة ولو كان مقابل الطوفان، ومآسي الإنسان، وبين من لا يزال يبشر بالقصيد، ويبني تحفة شعرية لمن ينشد نظم القوافي ويستمتع بما رصفته بنت عدنان على لسان شعرائها، فتستعيد بعضا من الأمل، وتستنشق نسمة من التطلع للحياة والإصرار على شاعريتها رغم المحيط «النووي»، والجشع نحو السلطة والتسلط.