هل هذا موقف المرجعية حقا؟

TT

بالمجّان يقدم «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعي الآن خدمة كبيرة لمنافسيه وخصومه السياسيين.. والطائفيين ايضا. فالأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد وتتفاقم في ظلها وبسببها المشكلات الامنية والمعيشية والنفسية تقع المسؤولية عنها بالكامل على عاتقه، ذلك ان حال الاستعصاء التي يواجهها تشكيل الحكومة الجديدة يرجع سببها الاول والاخير الى هذا «الائتلاف» الذي يسجل كل يوم إخفاقا جديدا في ايجاد منفذ للخروج من هذه الأزمة التي امتدت الى اكثر بكثير جدا مما ينبغي ومما يتحمله العراق في اوضاعه الراهنة.

بعد مرور كل الوقت الطويل الذي ظل فيه عاجزا عن حل مشكلة ترشيح ابراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء في الحكومة الجديدة، يقدم «الائتلاف» لمنافسيه وخصومه أقوى دليل على عدم أهليته لادارة البلاد، فالذي يخفق المرة تلو المرة في حل مشاكله الداخلية لن يكون في وسعه حل مشاكل جيرانه. ومشكلة ترشيح الجعفري كان يمكن لـ«الائتلاف» ان يجد حلا لها منذ الاسبوع الاول لو توفرت لدى اطراف اساسية فيه، وبخاصة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية وحزب الفضيلة، الشجاعة والقدر المناسب من الحس بالمسؤولية تجاه مصير الشعب والوطن للإفصاح علنا عن موقفها المؤيد للكتل البرلمانية الأخرى المعارضة لتولية الجعفري.

في الأسابيع الاولى للأزمة، ظل «الائتلاف» يطلب من الرأي العام إمهاله بعض الوقت لإقناع الكتل البرلمانية المعارضة بالعدول عن موقفها والقبول بترشيح الجعفري. وأخذ «الائتلاف» كل وقته وأزيد، ولم ينجح في زحزحة أي كتلة عن موقفها.

وفي المرحلة التالية، أخذت اطراف «الائتلاف» المؤيدة للكتل الاخرى في الموقف من ترشيح الجعفري تلقي باللوم في السرّ على «عناد» الجعفري و«الاعيب» حليفه مقتدى الصدر. وبينما شجعت هذه الاطراف الكتل الاخرى على التمسك برفض ترشيح الجعفري طلبت إمهالها بعض الوقت للضغط على الجعفري والأطراف الداعمة له للتراجع عن الترشيح والقبول بترشيح شخصية ائتلافية اخرى.

ولم يثمر هذا التكتيك هو الآخر لأنه افتقد أهم عنصر، وهو أن تصبح اطراف «الائتلاف» المؤيدة لعدم تولية الجعفري على قدر من الشجاعة والمسؤولية فتعلن انضمامها الى الكتل الاخرى. وكان من شأن هذا ان يقنع الجعفري وأطراف «الائتلاف» الداعمة له بان اللعبة انتهت ولا امل في الاستمرار بها.

والآن عندما تجري مجادلة اطراف «الائتلاف» المؤيدة، في السر، لعدم تولية الجعفري في هذا الامر ويطرح عليهم السؤال: ماذا تنتظرون؟ يتحججون بأنهم يتعرضون لضغط «هائل» من المرجعية من اجل عدم التفريط في وحدة «الائتلاف»!

اذا كان هذا صحيحا، فان المرجعية الشيعية تقدم نفسها في صورة تتناقض تماما عن الصورة التي تعكسها التصريحات الصادرة عن ممثليها. فالصورة التقليدية، الأبوية الرعوية الوطنية الشاملة، للمرجعية تتحول هنا الى صورة شوهاء للغاية، فالمرجعية ـ وفقا لهذه الصورة ـ ليست سوى طرف في الصراع الحزبي والطائفي الدائر، بل هي الطرف القائد والموجه له.

لا خير في مرجعية، أي مرجعية سواء دينية كانت ام سياسية، تكرس كل اهتمامها وتوجه كل حرصها من اجل ضمان وحدة تحالف سياسي بين احزاب متنافرة ومتصارعة ومتطاحنة، ولا تلقي بثقلها وراء العمل للخروج من المأزق الذي تنحشر فيه البلاد بسبب التنافر والتصارع السياسي للأحزاب، ولا تستخدم نفوذها للحفاظ على وحدة البلاد وحل المشكلات الطاحنة التي يكابدها الناس.

لا خيرَ في أي مرجعية تنصرف الى الاكتراث بوحدة «الائتلاف» ولا تأبه بمصير البلاد والعباد.

سيكون مريعا للغاية اذا ما كان صحيحا ما تقوله اطراف في «الائتلاف العراقي الموحد» عن موقف المرجعية الشيعية.

فهل هو حقا صحيح؟

[email protected]