لا زيارة لمرضانا ولا نعي لهم!

TT

لا أزور المرضى ولا أرثيهم إذا ماتوا، وعندي أسباب، فقد تعذبت كثيراً بزيارة الأصدقاء في أسوأ حالاتهم، ولم أفلح في أن أخفف عنهم، ولا هم أفلحوا في التخفيف عنا، ورغم أن زيارة المريض واجب أخلاقي أو اجتماعي، ولكن عذاب المريض وعذابنا لا يمكن احتماله.

وكثير من الأصدقاء كانوا ضربات موجعة فلم أفلح في التخفف منها سنوات طويلة، العقاد وطه حسين والحكيم وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وعبد الوهاب واحسان عبد القدوس وكامل الشناوي ومصطفى أمين وعلي أمين والتابعي والسادات.. وعندي حكايات، وإذا ماتوا فإنني لا أجد سبباً قوياً للكتابة عنهم، فهم الذين يهمونني، وهم ماتوا، وكنت أتمنى لو قرأوا ما كتبت، ولكنهم ذهبوا.

وقد حاولت أن أكتب عن المرضى قبل وفاتهم، أردت أن أقول لهم عن مدى خسارتنا الفادحة بعدهم، فكان ذلك سبباً آخر في حزنهم، لقد أحسوا أنني أرثيهم قبل موتهم، فغضب مصطفى أمين وعلي أمين، والشاعر صالح جودت ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، مع أنني فقط أردت تحيتهم، أردت أن يقرأوا ما اعتدنا أن نكتبه بعد وفاتهم، بل وفوجئت بأن الكاتب الكبير موسى صبري قد شكاني إلى السيدة جيهان السادات، وقال لها: إنه يرثيني مع أنني مازلت حياً، إنه يستعجل وفاتي!

وفي الأسبوع الماضي وجدتني مضطراً أن أزور صديقاً مريضاً، الأطباء يقولون الأعمار بيد الله، وأنه في أيامه الأخيرة، وجلست أكتب وأحييه وأطلب من الله أن يلهم أهله وأصدقاءه وأولاده الصبر على فقده، ولم أشأ أن أنشر المقال وهو ما يزال حياً يعاني، وفي نفس الوقت قررت أن أنشر المقال فيما بعد، أو أعدل نهائياً عن ذلك!

وخيراً فعلت، فقد استعاد عافيته وكان نهوضه من فراشه تكذيباً لكل توقعات الأطباء الذين سارعوا فقال: إن هناك معجزات، ثم ان الطب ليس علماً دقيقاً، وكثيراً ما مات من لا يتوقعون وفاته، وعاش من يتعجلون مماته.

وحمدت الله أنني ما نشرت، وأنه لم يمت!