إيران النووية: مهب التساؤلات

TT

من الطبيعي ان نتساءل ونحن نتابع الإنجاز النووي الايراني: هل أن الانجاز النووي الباكستاني افاد الأمة في شيء؟ وهل ان الانجاز الجديد في حال وصل الى نهايته سيعوِّض امة المليار ونصف المليار مسلم ما لم يحققه انجاز اخواننا الباكستانيين؟

الإفادة التي نشير اليها هي تحرير القدس والحرَم الثالث الذي من دون استعادته، فإن شأن اهل القرار في الأمة ليس في المستوى المطلوب ولا في مستوى الامكانات والقدرات. والإفادة هي في رد السهام التي تستهدف الإسلام كدين وكادت الحملة على هذا الدين تصل الى حد تصنيفه دين الارهاب وان كل مسلم هو ارهابي حتى يثبت العكس. والإفادة هي ايضاً في تحقيق تنمية في مجتمعات الأمة تنقل دولها من التخلف الى التقدم. والإفادة بالنسبة الى الأخ العربي هي في مساعدة الشعب الفلسطيني على ان تتحقق له دولته وعاصمتها القدس.

تلك هي الإفادة وهي في مجمل بنودها لم تلق من القدرة النووية الباكستانية اي مكسب. وبدل ان تحقق هذه القدرة في الحد الأدنى لباكستان في ان تكون هي الدولة السادسة في مجلس الامن للدول الدائمة العضوية وتمثل الأمة في هذا المجلس ما دامت تملك القوة النووية شأنها في ذلك شأن الدول الخمس اميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، فإنها كما هو واقع الحال ليست فاعلة في اي شأن يخدم الأمة. وبدل ان تكون عنصر ضغط على اسرائيل يفيد في جعل اسرائيل توقف عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني وتجبرها على الالتزام بعملية السلام وتترك المسجد الاقصى والأماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية على حد سواء لأصحابها المتدينين المؤمنين فإننا نرى جنرالها برويز مشرّف يرمي بباكستان القوة النووية الوحيدة في الأمة في خضم التطبيع مع اسرائيل المعتدية ومن دون اي شروط فاعلة عدا الادعاء بأن هذا التطبيع هو لمصلحة الحق الفلسطيني. أي حق هذا!

وفي الوقت نفسه ان القبضة الاميركية على باكستان النووية وتكرار المخاوف من ان يأتي الى الحكم فيها «متطرفون» على اساس ان كل وطني هو في نظر الادارة الاميركية «متطرف» في الحد الأدنى و«ارهابي» في الحد الأقصى، تجعلنا نفترض ان السكوت على امتلاك باكستان للقوة النووية هو بفعل الاطمئنان الى انها قوة تحت السيطرة. وعندما تكون كذلك فإنها لا تعود لمصلحة شعبها ولا لمصلحة القضايا التي تهم الأمة.

من هنا نجد انفسنا نتساءل: هل ان ايران ستكون نقيض باكستان في حال اكتمال قدرتها النووية وبحيث يتم الاعلان بعد تسعة اشهر، على نحو ما تفيد بعض المعلومات الاستخبارية الغربية، عن ان قنبلتها باتت جاهزة او أنها بادرت الى اجراء التجربة في صحرائها التي سبق ان تحطمت على رمالها محاولة الرئيس كارتر تحرير الرهائن الاميركان من السفارة في طهران؟

وإلى ذلك، هل ان الادارة الاميركية التي بين صقورها مَن سبق ان عاشوا مذلة فشل محاولة كارتر ومَن لا تعنيهم في شيء بعض التحفظات الاوروبية والتمنيات الروسية، ويفضلون جحيم الحل بالقصف الصاروخي الجاهزة خطته على جنة الحل الدبلوماسي، ستحسم الأمر وبذريعة ان القدرة النووية الايرانية تهدد ربع مليون اميركي يرابطون او يقيمون في العراق ودول الخليج.. هذا فضلاً عن الذريعة الدائمة وهي ان ايران النووية تشكل تهديداً لإسرائيل؟

من الصعب افتراض ما ستنتهي اليه الامور بمعنى هل تُترك ايران تواصل العمل على تحقيق الخطوة التالية من الإنجاز النووي وبذلك يتم التأكد مما اذا كانت تبغي المردود السلمي من القدرة النووية ام أنها تتطلع الى تغيير ميزان القوى. وفي ضوء ذلك يتم التعامل معها بإحدى الصيغتين: إما التسليم بإنجازها والعمل على تحويل قدرات ايران النووية الى الصالح الاميركي على نحو ما هو حاصل في باكستان، وهذا يعني تكثيف عملية الخلخلة في النظام إلى ان يقفز فجأة «برويزها» الايراني ليستولي على السلطة مستنداً الى حيثيات من بينها ان السلاسة في التعامل مع المجتمع الدولي تبقى افضل من التحدي، وان تفادي اصابة ايران بالعدوان، تدميرياً كان او مجرد شظايا، يبقى افضل حتى في نظر اولئك الذين هللوا وصفقوا وكبَّروا وهم يستمعون الى بشرى الإنجاز النووي كمرحلة اولى من رئيسهم محمود احمدي نجاد الذي لا يبدو مقتنعاً بأن العناد الاميركي المقرون بالمؤازرة الدولية قد يتسبب بـ «هيروشيما ايرانية» لن تُشفي جراحها وتداعياتها الاطروحات الثورية. تلك صيغة. وفي حال أمكن استيلاء الـ «برويز» الايراني فإن ايران النووية تصبح مثل باكستان النووية في حالة تدجين كقوة مساندة لقضايا الأمة وكعنصر ضغط على المجتمع الدولي الذي لا يتفهم اماني المسلمين وإخوانهم العرب، وفي الوقت نفسه يبالغ في تفهُّم مقتضيات العدوان الاسرائيلي اليومي على الفلسطينيين واستباحة المقدسات الاسلامية والمسيحية. ونقول ذلك لأن التوظيف الفاعل للقدرة النووية الباكستانية غير حاصل، وكل ما نسمعه هو التعبير عن مخاوف من ان يصل الى الحكم في باكستان اسلاميون وعندئذ يمكنهم استعمال القنبلة النووية الاسلامية في غير ما يرتضي المجتمع الدولي.

اما الصيغة الثانية المحتمل الأخذ بها كبديل لعدم تكرار واقعة تدمير مفاعل تموز العراقي الذي رفضت الادارة الاميركية ومعها اسرائيل، او من اجل اسرائيل، الاقتناع بأنه للاغراض السلمية فكان تدميره شر تدمير، وعلى مرأى ومسمع الجميع ومن دون ان يرف جفن للمعتدين، ففي التعامل مع ايران بمثل التعامل مع كوريا الشمالية، اي الحصار انما مع عدم ترك النافذة العراقية مفتوحة على نحو ما هي عليه وإغلاق النافذة السورية تماما. وهذه الصيغة ينطبق عليها القول السائر مع استبدال كلمة الحديد وبحيث يصبح: لا يفل العناد البوشي.. إلاَّ العناد النجادي.

ونختم بالتساؤل: أليس القلق العربي السائد الآن كان لن يحدث لو أن القدرة المالية السعودية ساعدت التطلعات النووية المصرية في الستينيات، ولو ان سورية استبدلت التعارك العقائدي مع العراق بالتعاون على تحقيق انجاز نووي شبيه بالانجاز النووي الايراني؟

ثم ماذا بعد الآن؟

هل تبقى دول الاقتدار العربي تطالب بجعل المنطقة خالية من السلاح النووي؟ وما فائدة المطالبة ما دامت اخترقت ايران المحظور واضعة المنطقة في مهب التساؤلات وبحيث ان المطلوب بات تحليل التملك النووي... وليس على الاطلاق حظره.