الإمارة ولو على حجارة

TT

ذكرني بالقول اعلاه ما يجري في العراق الآن من التشبث بالمنصب والمخانقة عليه. تعود معظم مصائب العالم العربي لهذا الشوق للكرسي والمعركة على الكعكة. ولنا تاريخ طويل فيه، وإلا فما الذي مزق دولة الاسلام واراق دماء المسلمين غير المنازعة على الخلافة، والآن على المنازعة على تلك المنازعة. رحم الله صاحب الملل والنحل، محمد عبد الكريم الشهرستاني على قوله: «ما سل سيف في الاسلام مثل ما سل من اجل الامامة». وها هو العراق يضيف حلقة جديدة من سجله غير المشرف في هذا الصدد. كل هذه الازمة التي جاءت بوزيرة الخارجية الأميركية الى بغداد لتحلها ولم تفلح تعود لامتناع رئيس الحكومة عن قبول طلب الآخرين له بالتنحي واصرار الآخرين على ان نوبتهم قد حلت ليجلسوا على الكرسي ولماذا ضاعت فلسطين؟ لأن الرؤساء خافوا على مناصبهم اذا حاربوا اليهود بجد ولماذا حاربوا اليهود اذن؟ لأنهم خافوا ان شعوبهم ستسقطهم مناصبهم اذا لم يحاربوا. واخيراً لماذا ضاع ما بقي من فلسطين؟ لأن الزعامات الفلسطينية ارادت دولة فيها كراس ومناصب يجلسون عليها كرؤساء ووزراء وسفراء. لقد عرضت اسرائيل اعادة غزة لمصر والضفة للاردن ورفض العرض امام شعار «الدولة الفلسطينية»: تحدثت مع احد المفكرين الفلسطينيين في حينها، قلت له ان المنطق الشرعي الدولي يقضي باعادة الامور لسابق عهدها كما كانت قبل الحرب، تمسكوا بهذا المبدأ وطالبوا باعادة غزة لمصر والضفة للاردن قبل ان تبتلعهما اسرائيل. واسرائيل أكثر استعداداً لاعادتها للملك حسين والاردن من تسليمها لعرفات ومنظمة التحرير. قال لا. نفضل البقاء تحت الحكم الاسرائيلي من الرجوع للملك حسين.

اين هي اذن فكرة الوحدة العربية اذا كان حتى الفلسطيني والاردني لا يستطيعان ان يتعايشا؟ واين هو العقل والعلم، اذا لم نستطع ان نفهم ان الاشخاص يزولون والدول والشعوب تبقى؟

كتبت في هذه الزاوية قبل بضعة اسابيع ان من مصلحة حماس وفلسطين والفلسطينيين ان تبقى حماس خارج الحكم كقوة نضالية معارضة. ولكن هيهات!

لا يتمتع الفرنسيون بمعرفة كافية عن الشرق الأوسط. فلو عرفونا جيداً لقالوا: «فتش عن المنصب!» بدلا من قولهم «فتش عن المرأة».

عبثاً احاول ان اقنع القوم بأن المرأة اجمل من الكرسي، او ما نسميه في العراق بالمسكملي. والجري وراءها يؤتي بثمار اطيب. ومهما اهلكت الحسان من رجال فانهم اقل ممن اهكلتهم المناصب. وبترك قصة كليوباترا جانباً، وهي القصة الوحيدة من نوعها، فإنني لا اذكر تعلقاً بامرأة قد ادى لتدمير بلد وهلاك ملايين الناس كما ادى التعلق بالمسكملي مهما كان مخلعاً ومكسراً ولا يباع بأربعة فلوس في سوق الهرج. وهذه مسألة محيرة. سمعت عمن وقع في حب حصان او قطة او سيارة أو ساعة وتفهمت ذلك، ولكن الوقوع في حب مسكملي شيء لا استطيع ان افهمه مطلقاً.

ولكن لله في خلقه شؤون. وشأننا شأن المسكملي.

وبالمناسبة هذا كلام يشاركنا فيه الاكراد ايضاً.