السودان وتشاد: يخربون بيوتهم بأيديهم

TT

ثلاث إضاءات تعينك على التثبت من قتامة، أو قل بشاعة، المشهد السياسي في السودان وتشاد في ضوء وصول العلاقات بين البلدين الى درك سحيق وصل لحد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، ثم تعليق تشاد بالأمس لمهام وفدها في مفاوضات أبوجا بكل محوريتها التي تضع السودان في المدى القريب على محك أن يكون أو لا يكون، لتواجه تشاد نفسها على المدى المتوسط وليس البعيد مصيرا مشابها وإن اختلفت سيناريوهاته:

الإضاءة الأولى: مقال لخافير سولانا المسؤول الأعلى للأمن والسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بعنوان: «استقرار السودان أساسي لكل القارة الأفريقية»، والذي خص به هذه الصحيفة يوم 19 أكتوبر 2005، أي قبل 6 أشهر بالتمام والكمال. وفي المقال يقول:«أنا ناشدت ممثلي حركة التمرد السابق، خصوصا سالفا كير النائب الأول لرئيس جمهورية السودان، كي يستمر العمل على الطريق الذي خطه الزعيم الراحل جون قرنق الذي توفي يوم 30 يوليو. وهذا الطريق يؤول إلى سودان جديد ديمقراطي وموحد. ولا يمكن أن يكون الهدف من العملية السلمية انفصالا عن السودان. فهذا سيكون كارثة لكل المنطقة.... ظل استقرار السودان غير مؤكد منذ اندلاع أزمة دارفور عام 2003. وهذه أزمة أساسية.... ولا بد من التفاوض من اجل السلام بأبوجا في الاطار الذي حدده الاتحاد الأفريقي. وقد نبهت كل الأطراف وناشدت لتحقيق ذلك بما يحمله من أهداف، مثلما نبهت للمخاطر». انتهى.

الثانية : من عدد مجلة «الإيكونومست» البريطانية عن «العالم عام 2006»، ص 105، وفيه يقول مركز معلوماتها واستخباراتها عن الدول العشر الأعلى نموا في العالم لهذا العام، إن تشاد تحتل المركز الثالث عالميا بالاشتراك مع جورجيا بنسبة نمو في الناتج الإجمالي المحلي 10%، لتتركا المركز الخامس منفردا للسودان بنسبة نمو 9.3 % .

الثالثة : إن نسبة الذين يعيشون تحت الفقر في البلدين تصل الى نحو 40 % من عدد السكان (عدد سكان السودان 41 مليون نسمة مقابل 9 ملايين و944 ألفا لتشاد).

نحن أمام لوحة تقول لك فيها مقولة سولانا إن استقرار السودان أساسي لكل القارة الأفريقية، ولكن هذا الاستقرار مع تصاعد الأحداث بين تشاد والسودان يبدو عصي المنال، في ضوء حقيقة أن أيا من الدولتين الجارتين تعرف جيدا من أين تؤكل كتف الأخرى، وهناك أكثر من دليل على أنهما بدآ التعاطي بآليات الكيد السياسي، لتذهب إضاءة سولانا ونصيحته في إجازة مفتوحة.

ونحن أمام لوحة يقترب فيها هذا الواقع الماثل من امتصاص عائد النمو الاقتصادي، بمعنى تسخيره أمام تحديات الحروب والتوتير السياسي في سياقات تلبي الدفاع عن الحكم على حساب طموحات الـ 40 % الذين يعيشون تحت خط الفقر، بما يعني ذهاب عائد الإضاءة الثانية «نسبة النمو المتميزة»، وتكريس واقع الإضاءة الثالثة الى حين إشعار آخر.

ماذا يمكن أن نسمي ذلك ؟

قد يقول قائل بوجود مؤامرة وتدخلات خارجية وإقليمية في ملفي دارفور وتدهور الأوضاع بين السودان وتشاد، ولأيهما نصيب بالطبع فيما دار ويدور، ولكن الثابت أيضا أن هناك ما هو بأيدي صانعي القرار في البلدين، أقرب ما يكون الأمر الى قول المولى في محكم تنزيله :«وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار» صدق الله العظيم .

شيء مؤسف أن يحدث ذلك في بلدين يحملان نسيجا اجتماعيا معقدا سِمَتهُ التباين العرقي والثقافي والديني والقبلي، ليغذيه تدهور العلاقات بينهما سلبا، بمعنى تعميقه وتكريسه ليتهدد وحدتهما الوطنية معا، وليضعهما معا بين أكبر المرشحين عالميا لحالات من التشرذم في أزمنة لا يدافع فيها التدافع الإنساني، سمة الحياة والتاريخ، إلا عن الكيانات الكبيرة.

[email protected]