في الأزمة الإيرانية .. أبعد من بركان الثورة !

TT

في صفعة تلقاها مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذي تسعى الولايات المتحدة لفرضه قسراً في المنطقة، جاءت ثمرة الديمقراطية السحرية في إيران بوصول أحمدي نجاد إلى سدة الحكم لتذهب كل محاولات خاتمي لإقناع العالم بأن «ثورية» إيران كانت تأسيسية، اقتضتها ظروف المرحلة، وأنها في طور الانزياح إلى كل ما هو مدني وحقوقي، لتتناغم مع مناخ المجتمع الدولي، لتذهب كل هذه المحاولات أدراج الرياح.

هذا التحول، الديمقراطي في آلياته واللا ديمقراطي في مقولاته وأهدافه، يعيد للذاكرة صيحات النذير التي أطلقتها شرائح من النخب الثقافية في العالم العربي حول ضرورة فهم المسألة الديمقراطية في سياقها التاريخي تمييزاً بين الوسائل والغايات وتفريقاً بين غث الديمقراطية «الشكل» وسمينها «المحتوى»، فهي في النهاية ثقافة وحراك مجتمعي لا مجرد شعار تكتفي الدبلوماسية الأمريكية بتمريره لامعا وأنيقا.

في الحالة الإيرانية أعتقد أن المسألة أعقد من امتلاك سلاح نووي، وإن كان ذلك مقلقاً. إجمالا: من حيث أن المنطقة هي بحاجة إلى السعي الدؤوب لنزع هذا النوع من التسليح، وتفصيلاً: من جهة أن تمتلك دولة تحتكم إلى مرجعية ثيوقراطية اصولية ثورية مثل ذلك السلاح، حيث كل القوانين الدولية يمكن أن يضرب بها عرض الحائط لموقف ديني ناجز، والحالة «السيستانية» مثال قريب، هذا إذا ما أخذنا في الاعتبار محاولات إيران لكسب ولاء حماس فضلاً عن التحالف القائم مع حزب الله وسوريا، والإشكالية المذهبية التي تنتج على أقل تقدير التعاطف المبدئي من قبل من يشتركون معها في البنية العقائدية أو المشروع السياسي.

من جهة أخرى فإن التهديدات الأمريكية لإيران باحتمال أن توجه لها ضربات عسكرية من شأنها أن تصعد الموقف حتى خارج الإطار الإقليمي، فدول كالصين والهند تعتمد بشكل كبير على إمدادات النفط الإيراني، ما يعني أن التحالف الدولي الذي تسعى الولايات المتحدة لكسبه في هذا الملف سيكون هشاً وضعيفاً، عدا عن أنه معرض للانهيار من أصله في ظل عدم إمكانية تشخيص الأزمة كما هو الحال مع صدام، ولا حتى إصلاح الحرج الكبير الذي تسببه إسرائيل وهي تتبختر بسلاحها النووي الذي يوقظ سؤال المقارنة وربما المقايضة كما جاء على لسان جماعة الإخوان المسلمين التي أبدت تأييدها لامتلاك إيران لمثل هذا السلاح في موقف يؤكد على سطحية جماعات الإسلام السياسي التي لم تخرج من شرنقة ثنائية الخير والشر والـ «مع» والـ«ضد»، وهكذا الموقف القومي الذي ينحاز إلى كل ما يضاد الولايات المتحدة وأحياناً الغرب برمته للتأكيد على هوية قلقة مريضة وتنسى في غمرة فرحها أن تراجع مسألة التحديث والتقدم وحقوق الإنسان ...الخ ومثل هذه الملفات التي يمكن يشار فيها إلى الكثير من «العطل» و«التكلس» إذا ما حاولنا قراءة ما يحدث في المجتمع الإيراني.

الأمر يبدو كمرحلة متقدمة في لعبة «بلاي ستيشن» بيدي طفلين نزقين، حيث كانت المرحلة الأولى العراق الذي يعاني من تخبط أمريكي واضح ومن مكاسب إيرانية على مستوى التحالفات وتعزيز المواقع، لتبدأ المرحلة الثانية التي جاءت في الملف السوري الذي حرصت إيران على تقوية صلتها بالنظام السوري من خلال استغلال سوء العلاقة بينه وبين الولايات المتحدة، وهكذا ما يمكن أن يقال عن الموقف الغربي المتناقض والقلق من فوز حماس وإيقاف المعونات لتدخل إيران على الخط وتمنح حماس ما يربو على الخمسين مليون دولار.

إن من المهم أن يتم الالتفاف على هكذا أزمة من خلال اجتراح طريق ثالث، دفعاً لتهور محتمل من قبل الولايات المتحدة أو إيران تنزلق فيه المنطقة إلى أتون يحرق معه ما تبقى من أخضرها.

هذا الطريق مسؤولية دول المنطقة المؤثرة والفاعلة التي يجب أن تستفيد من حرص المجتمع الدولي والمناخ العام على ضرورة عدم تكرار مأزق العراق مرة ثانية.. وحده الإجماع الدولي قادر على إخماد بركان الثورة ونزق الإمبراطورية .

[email protected]