أقرأ ولا أقرأ لهؤلاء!

TT

أنا اقرأ اكثر مما أكتب، وكثيرٌ من الذي اقرأه افضلُ من الذي أكتبه، وفي نفس الوقت لا أستطيع أن اقرأ لكل الذين يكتبون في الصحف العربية والصحف الأوروبية ولكن ـ بمنتهى الصراحة ـ هناك كتاب أحرص على قراءتهم، لأسباب كثيرة.

فهذا كاتب رصين عاقل جاد، وفي الذي يكتبه يُلاحَظ أنه قد تعب في الحصول على المعلومات وتعب في توظيفها، وحريص على احترامك وعلى احترام نفسه. وهذا كاتب ظريف يرى من الدنيا جوانب لا تخطر على بالك، وهي مقدرة، ثم أنه يدغدغ قضاياه فيضحك أيضا، وهذا فن بديع. وهذا كاتب يغترف من المعلومات الكثير ويقدمها لك بمنتهى التواضع كأنه لم يبذل جهدا في جمعها، والحقيقة أنه قد تعب، ولكنه متواضع لا يمنُّ عليك بما اهتدى إليه، وأنت ممتن له.

وهذا كاتب يحاول ولكنه لا يفوز إلا بالقليل، والأديب أوسكار وايلد يهب للدفاع عنه فيقول: لا تلم عازف البيانو انه يحاول، وليس عندك وقت لان ترعى من يحاول فمرة ينجح ومرة لا. وهذا كاتب أحب أن أتفرج عليه، وليس كثيرا، فهو يستعرض قدرته على التنظير، ولذلك يأتي بتراكيب غريبة عجيبة، تدل على قدرته ولان تراكيبه مكثفة فهو يرهقك، وليس أسهل من الهرب منه. وهذا كاتب معماري، أي قادر على إقامة الصروح المنطقية وهذا علم وفن ولكن أسلوبه ليس جميلا إنه يضع الأحجار والخراسانة المسلحة في شكل قوي، ولكنه ليس جميلا. وكان هذا هو شعوري عندما قرأت الأستاذ العقاد لأول مرة، وعندما وصف الأستاذ العقاد أول مقال قرأه لي بأن أسلوبي قد أعجبه. كان يوما أسود. إذن لقد أعجبه لأنه قريب من أسلوبه، وحزنت وأمسكت مقالي وكتبته عشرين مرة وجردته تماما من كل التراكيب الفلسفية، فقد كنت حديث التخرج في الجامعة وما زلت أسيرا للعبارات الفلسفية الخشنة!

أما طه حسين وتوفيق الحكيم والمازني فهم أصحاب أساليب أرق وألطف وانعم، وأجمل، فإذا كان العقاد هو المهندس المعماري فطه حسين هو الرسام الرومانسي والحكيم هو الذي يغزل بالحرير.

ثم أنني حريص على بعض الكتاب الذين لا أحبهم، لا أحب أن اكتب مثلهم ولا بد أن اقرأ لهم حتى لا أكتب مثلهم، عملا بما جاء في ديوان «بستان الورد» للشاعر الفارسي سعدي، ففي ديوانه أن واحدا سأل : ممن تعلمت الأدب؟ فقيل له: من واحد قليل الأدب، كلما فعل شيئا امتنعت عنه !

وغيرهم وفي لغات مختلفة متعة وسعادة ونشوة.. انهم يقولون كلاما جميلا ويرسمون لوحات بديعة ويعزفون أنغاما أبقى.