خالد مشعل.. إشكال الخروج على النص!

TT

خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، شخصية نشطة وفاعلة، وتحركاته تعكس مركز الثقل الذي يشغله داخل البناء الحقيقي للحركة، لكن تصريحاته الأخيرة في مخيم اليرموك بدمشق، الجمعة الماضية، جاءت خارج كل أقواس اللباقة السياسية لتهشم جسور الصمت بينه وبين الآخرين داخل حماس وخارجها، فلقد استخدم مشعل في تصريحاته لغة خشبية حملت مفردات متفجرة مثل: «أذناب، منافقين، عملاء، خونة وطابور خامس»، مستعينا بكل «بلاغة» خمسينات الزمن العربي وستيناته، وهو الخطاب الذي تدرك حماس (الداخل) خطورة تداعياته عليها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها. فخطاب مشعل الفج خطاب افتراق أكثر منه خطاب التقاء، وخطاب شتات أكثر منه خطاب تقارب، فهو يدعو إلى مسيرات في المخيمات الفلسطينية، لماذا؟ لستُ أدري.. وهو يقول: «لن نخسر في قضية الرواتب، فحماس لديها برنامج يتعلق بالهموم الوطنية؛ ومنها حق العودة وهدم الجدار وتفكيك المستوطنات والإفراج عن 9 آلاف أسير وأسيرة في سجون الاحتلال». وأتخيل أن المتلقي الفلسطيني سئم هذه اللغة الكارتونية التي تتجاوز الممكن والواقع والمتاح.. وتأتي هذه التصريحات لتضيف المزيد من المسافة بين حماس والمجتمع الدولي في وقت يسعى فيه حكماء حماس إلى استحداث ثقوب في جدار الحصار الدولي المفروض على حكومتهم.

والحقيقة أن تصريحات مشعل تعكس عثرات التحول النفسي من سيكولوجية المقاوم إلى سيكولوجية الحاكم، فالتحولات السريعة التي مرت بها الحركة ربما أصابت مشعل بشيء من الدوار أعجزه عن دخول أجواء المرحلة الانتقالية الجديدة التي تعيشها حماس بكل متطلباتها، لذا لا غرابة أن يستشعر الجميع بما فيهم حماس خطورة هذا الخطاب المتهور الذي تبناه مشعل، فيسارع ناصر الدين الشاعر نائب رئيس الوزراء الفلسطيني وعضو حركة حماس إلى النأي بالحركة عن كل ما يترتب عن كلام مشعل من مسؤوليات، مشيرا إلى أن للحركة ناطقا رسميا واحدا تكون حكومة حماس مسؤولة عن تصريحاته، أي أن تصريحات مشعل لا تعبر إلا عن ذاته. كما لم يتردد المجلس الثوري لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس من وصف خطاب مشعل بأنه خطاب فتنة يمكن أن يقود البلاد إلى حرب أهلية.

وتبقى هناك كلمة في حق مشعل لا بد من قولها فهو أكثر وجوه الحركة قبولاً وحضوراً وتمثيلاً، ولم يكن بمقدور أحد أن يراهن على أن تُقْدِمَ هذه الشخصية على محاولة الانتحار السياسي بهذا القدر من السرعة والتهور وفِقدان التوازن.