لمن الأشرطة اليوم؟!

TT

بن لادن والزرقاوي لمن يبثون أشرطتهم اليوم؟ اذا كنا كما نقول نرفض الارهاب فلماذا كل هذا الاستهلاك لأشرطة الإرهاب؟! لماذا هذا الإدمان على الأشرطة وانتظارها على أحر من الجمر، وكأنها نص غيبي أو وحي يصلنا بين الفينة والأخرى.

زيادة نسبة المشاهدة للقنوات الفضائية المتخصصة في أشرطة الارهاب تحتاج الى تفسير، اما نحن مجتمعات ارهابية، او مجتمعات تدنس ذوقها الفني، او مجتمعات كما قال بعض مفكري النهضة العربية «رديئة الطباع»، أم ان حضارتنا الحديثة واختياراتها الثقافية لا ترى خيرا هنا! إن كان الامر كذلك، فلمن الاشرطة اليوم؟!

ليس لدي شك ولو للحظة واحدة في أننا اليوم مجتمعات باتت تتعامل مع الارهاب كأمر واقع، لا يحركنا موت عشرين او ثلاثين بعربة مفخخة في العراق، لا يحركنا مقتل سائحين قتلوا في دهب وشرم الشيخ، ولا يحركنا اغتيال عرس في الاردن، او تفجير في الرياض، نحن قوم فقدنا الاحساس بقيمة الانسان، لدينا رغبة جامحة في رؤية الدماء وهي تسيل، لا نستطيع قتل الاعداء لنرى دماءهم، لذلك بدأنا في قتل أنفسنا. نحن حضارة تدخل تاريخ الانتحار من أكبر بواباته، فان كان هذا وضعنا، فلمن الأشرطة اليوم؟!

تخطينا مرحلة الانتحاري الفرد، ذلك الشاب الذي يعبأ بالكراهية لنفسه ولغيره، ويحزم نفسه بالحزام الناسف ليفجر نفسه في حافلة، صفقنا لهذا عندما فجر هؤلاء انفسهم في اسرائيل واليوم يفجرون انفسهم فينا، فلمن الأشرطة اليوم؟!

لا داعي للتربص او الخلط هنا، فجميعنا يعرف الفارق بين عدالة قضية فلسطين وبين ارهاب بن لادن! اليوم دخلنا مرحلة جماعات بأسرها وتيارات بأسرها فخخت نفسها، وكذلك فخخت عقول شبابها وهيأتهم للانتحار الجماعي. وها نحن اليوم نخرج من عالم الشخص الانتحاري الى عالم الجماعة الانتحارية، ثم الى عالم الدولة الانتحارية.

لدينا دول كاملة تبدو وكأنها حزمت نفسها سياسيا وإعلاميا لخراب المنطقة وتفجير نفسها فيها، دول مليئة بالغاز وبصخب القول ترقص رقصة الموت لخراب المنطقة، والكل يعرف من أقصد؟ ولكن لا يجرؤ الى الحديث، فلمن الاشرطة اليوم؟!

أين كان يعيش خالد شيخ محمد؟! وفي حماية من؟ وبأي جواز سفر كان يسافر؟! خالد شيخ محمد يا سادة، ذلك العقل المدبر لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، كان يعيش في كن ف احد وزراء الداخلية العرب، ليس وحده فقط وانما معه من معه من زمرة الارهابيين، يحصلون على جوازات هذا القطر العربي ويمارسون الارهاب علنا وفي وضح النهار، وبحماية وزير داخلية.

رؤية هذا الوزير ومن حوله هي التي ادخلت المنطقة، في هذا الجحيم الذي لم ينته بعد، فان كان لدينا وزير داخلية يحتضن الارهاب، فلمن الأشرطة اليوم؟!

بعد الحادث الارهابي في دهب، ذلك الشاطئ المصري الجميل، كتب صديقنا عادل درويش مقالا عن الارهاب، وقرأت ردود القراء عليه، فمنهم من يلوم حكومة مبارك على ظهور الارهاب في مصر، هذا الرأي ليس رأيا منفردا، وانما رأي يستند الى كتابات ومقولات تتصدر بعض الصحف المصرية من تأليف وتلحين الكتاب المروجين للارهاب، هذا المنطق الذي يخلط الاوراق، وبدلا من لوم الارهابي الجلاد بدأ يلوم الضحية، هو الذي يستند اليه بن لادن والزرقاوي عند اصدار اشرطتهم الارهابية، هذا الجمهور هو المستهلك الحقيقي لهذه الاشرطة، وهو الذي أدمن عليها، جمهور يريد الموت ولا يريد الحياة، فلمن الاشرطة اليوم؟!

لدينا قنوات، وكذلك صحف يعمل فيها إرهابيون حاليون أو إرهابيون سابقون، نعرفهم من وجوههم، شاركوا في الحروب في أفغانستان، وفي جهاد الجبال، مشوا بمعية بن لادن والظواهري وقلب الدين حكمتيار ورباني وغيرهم، يظهرون في حلة غربية اليوم حليقي اللحى. شباب أمرد اليوم كان متوحشا بالأمس، هؤلاء يريدون برامج سياسية، ويخرجون برامج حوارية، أو يعدون مقابلات يومية. إرهابيو الغد، هم إعلاميو اليوم، فإن كان الامر كذلك، فلمن الأشرطة اليوم؟».

منذ بدايتي لكتابة المقالات في الصحف العربية وظهوري على البرامج التلفزيونية، حجب لي اكثر من ثلاثين مقالا في الصحف العربية المختلفة، وقطعت اكثر من مقابلة تلفزيونية، في المقابل لا يحظر على بن لادن او الزرقاوي أي شريط صوتي او فيديو ارهابي، رغم انني اعد لمقالاتي إعدادا جيدا، وان ظهرت على التلفزة أرتب نفسي ترتيبا، وهذا بن لادن والزرقاوي يقف أمام كاميرا ومن خلفه بندقيته يسجل كل الاشرطة بنفس الخلفية، وبنفس رتابة الصوت، وبصورة سيئة، ومع ذلك يتلقفها اصدقاؤنا في دبي والدوحة، لا يطالبون

بن لادن والزرقاوي بمثل ما يطالبوننا به للظهور على شاشاتهم، فإن كان لابن لادن والزرقاوي كل هذه الحرية في إعلامنا العربي، ولي ولغيري كل هذا المنع، فلمن الأشرطة اليوم؟!

جيش التحرير الخاص بابن لادن وخلاياه النائمة، يقابله جيش التبرير في اعلامنا ومساجدنا، وأسواقنا وبيوتنا، وحتى رسائلنا القصيرة، اقرأوا مقالات مبرري الارهاب، والمنطق الملتوي لدى كثير من كتبة الاسلام السياسي في مصر والسعودية وقطر والكويت وغيرها، ترون عجبا؛ البعض يستخدم الارهابيين بدعوى انهم يدفعون الانظمة الى مزيد من الاصلاحات، أعرف كثيرا ممن يدعون العقلانية في عالمنا العربي وهم يؤيدون بن لادن في مجالسهم الخاصة، وتفوح رائحة التأييد في مقالاتهم، جميعنا يعرف ان بمجتمعاتنا فسادا وان هناك حاجة للاصلاح، ولكن أليست هناك وسيلة اخرى غير التصفيق للارهاب حتى يصلح حالنا؟!

تابعوا أحدهم ان كان انتقد الزرقاوي مرة او بن لادن مرة، او اي قضية يروج لها على انها اسلامية، من فوز حماس في فلسطين الى تخصيب اليورانيوم في طهران، إن كان هناك كل هؤلاء الكتاب المروجين للارهاب، وان كانت هناك كل هذه القنوات المؤيدة للارهاب، فلمن الأشرطة اليوم!

القومجيون الآن يؤيدون ايران. القومجيون اليوم يؤيدون اسامة بن لادن. وهناك في الانظمة ذاتها ممن يأكلون من خير حكامها ممن يعيشون في بيروقراطية الحكم نهارا ويسهرون مع الارهاب ليلا، لدينا داخل كل جريدة وكل قناة حتى من تدعي أنها قناة او صحيفة ليبرالية، نجد بعض القائمين على التحرير، وعلى التصحيح وعلى التركيب وعلى الإخراج من عتاة الارهابيين، ممن يكرهون الآخر كراهية «بلا حدود»، فإن كان هذا الوضع قائما، فلمن الأشرطة اليوم؟!

يا سادة ان الاشرطة لنا، فغالبيتنا العظمى اليوم ان لم تؤيد الارهاب صراحة، فلديها حالة من الاشتباك العاطفي معه، لدينا حالة أشبه بمشاهدة مباريات الكرة نصفق لمن أحرز هدفا في مرمى الخصم، لأن لدينا رغبة في ذلك، ولكن ليست لدينا المهارة في ان نكون في الملعب، فقط قبلنا بدور المتفرج الفرح بهذا النصر، او هذا القتل.

لدينا شهوة في رؤية دماء يعصى علينا ان نسيلها بأيدينا، المجتمع العربي يا سادة اليوم من المحيط الى الخليج انزلق الى حالة الاحساس باللاإنسانية، فقد إحساسه بالقتل ولم يعد يهزه انفجار في بغداد او في فلسطين، لم يعد يهزه منظر عيون ورؤوس واذرع بشرية متطايرة في دهب، فقدنا الاحساس تماما! فإن كان هذا واقعنا، فلمن الأشرطة اليوم!

الأشرطة لنا، ومنا وفينا، ونحن نحبها رغم بشاعتها وبشاعة أصحابها وبشاعة ما فيها من رسائل سافلة.