إعلام

TT

تروى طرفة خفيفة في إحدى البلاد العربية الكبرى، أنه في فترة استشرت ظاهرة توزيع المنشورات من قبل البعض، فأطلقت السلطات الأمنية يدها لتراقب أكبر قدر ممكن من الناس، وإذا بواحد من مخبريها يلاحظ أن أحد الاشخاص «المشتبه فيهم» يوزع أوراقا بيضاء على الناس، فقبض عليه وسأله أنت توزع منشورات على الناس؟ فأجاب: نعم، فأضاف الضابط، ولكن الأوراق التي توزعها أوراق بيضاء، فأجاب الرجل بلسان «ثقيل ملفوف» وقال «أنا حكتب إيه واللا إيه واللا إيه!». وهذا تصنيف بسيط لحال الإعلام العربي اليوم والنماذج المختلفة المطروحة فيه. فهناك رغبة جارفة في المكاشفة وعزم واضح على توسيع دائرة النقد وطلب ملح لرفع سقف النقد. وهذا بطبيعة الحال ولد تباينا كبيرا في أسلوب وطريقة الطرح. فبدأت العديد من الفضائيات ووسائل الاعلام الاخرى وتحديدا الصحف المطبوعة، تقدم نماذج من «الصحافة الانتحارية» متمثلة في مقالات ملغمة يكتبها صحافيون يحيطون أجسادهم بأحزمة ناسفة مليئة بالأقلام المتفجرة، ينفجر رذاذ الحبر منها على أجساد القراء. هناك أزمة حقيقية لدى الإعلام العربي بالعموم، وهو غياب حقيقي للتدريب التقني، اضافة «لرمادية» المنطقة الحرجة المتعلقة بين التحرير والملكية والإدارة والتي تتسبب في تفاوت بين في التغطية الاخبارية والرأي المقدم.

المنطقة العربية بحاجة ماسة لتمكين «سلطة رابعة» مستقلة ومحترفة لتمارس دورها بشكل سوي. وهناك طبعا من يطرح قولا بأنه اذا لم تكن هناك سلطة ثانية وثالثة متمثلة في البرلمان والقضاء، فكيف ستكون هناك سلطة رابعة؟ من الضرورة أن تكون هناك قناعة حقيقية بأهمية الصحافة والإعلام والتعامل مع هذا الأمر بمفهوم مغاير. كيف يمكن تفسير غياب مراكز تدريب الاعلاميين في العالم العربي وغياب مراجع المهنية في أهم المؤسسات الصحفية، وكذلك غياب التشريعات المساندة لمهنتهم. في السعودية لم يبتعث إلا صحافي واحد للتدريب بصورة رسمية لمدة تزيد على عشرين سنة مثلا! هناك حراك ايجابي في الساحة الاعلامية العربية؛ فجوائز للمهنة تقدم، وشهداء يتساقطون وهم يؤدون مهمتهم بشرف وأمانة، هيئات مهنية تؤسس، ولكن يبقى الجانب القانوني الذي يتيح للأنظمة العربية مساءلة وإدانة وسجن وإذلال الاعلاميين بدون محاكمة ولا محام.

وضع الإعلام العربي يمثل صورة المجتمع العربي نفسه، وما يعكسه من آفات وعلل هو بمثابة صورة صادقة ووصفة طبية لما يجب عمله.

[email protected]