لست من أبناء الغجر ولكن..

TT

شيء عجيب ان يتصل بي مراسلنا في روما ليقول لي: البقية في حياتك ملكة الغجر ماتت! ولم أعرف هل أضحك.. هل أبكي.. هل أشكره هل استنكره؟ ماتت ملكة الغجر وأنا لا غجري ولا كنت. ولكني عندما كنت طفلا هربت من ضربات أمي إلى جماعة غجرية، وطلبت إليهم أن أكون واحدا منهم. وأشرت إلى فتاة صغيرة في مثل سني.

وقلت: نجوز ونعيش هنا. وضحكوا. وفي يوم كنت أحمل شوالا فوق رأسي وامشي ممسكا بجلباب إحدى الغجريات التي تضرب الودع وتشوف البخت. وهي ترتاد الشوارع الى أن وقفت أمام بيت فأمسكونا وقفلوا الباب. انه بيت جدي..

ولكني عاودت الكتابة كثيرا عن الحياة الغجرية. اننا لا نختلف كثيرا عنهم. فالرهبان في الصوامع والعلماء في المعامل ورواد الفضاء كلهم يعيشون في عزلة على الهامش.. هامش المدن والصحارى والغلاف الجوي.. وعلى الحافة بين القانون والخروج عليه.. والغجر يتحملون كل أوزار المجتمع. فهم المتهمون دائما بأنهم سرقوا ونهبوا وخطفوا.. وهي تهمة ليست كلها صحيحة.

ولي كتاب اسمه: (نحن أولاد الغجر).. أردت أن أكون، أو أنني حقيقة مثل هؤلاء، أو تمنيت لو كنت واحدا منهم. تمنيت ألا يكون لي أخ ولا أخت ولا خال ولا عم ولا شجرة عائلة. وحسدت اللقطاء. ولما تعمقت في دراسة الفلسفة الوجودية زادت رغباتي قوة وعمقا.

ولو لم أكن غجريا لتمنيت أن أكون غجريا! ومن أربعين عاما كنت في إيطاليا.. قرأت أن ملكة الغجر ماتت. فذهبت إليها من دون تفكير. أريد أن أرى كيف يحتفلون بها. ووقفت في الطابور الطويل لأقترب وازداد قربا منها وأتملى طلعتها. وكانت طلعتها دميمة. إنها من غجر رومانيا.. ويبدو أنني كنت غريبا. فسألوني: غجري؟ قلت: طبعا أليس واضحا؟ قالوا: بلى واضح من ملابسك ومن دموعك!

وقلت: تركتهم يندبونها في مصر. وتعاقبوا على شكري واحتضاني وتقبيلي وان أنقل لغجر مصر كل آيات الامتنان وان يصبروا على بلواهم. ولما عرفت أخيرا أن آخر الملكات قد ماتت لم أذهب.. فقد كنت فقط غجريا عقلا وقلبا وحياة وفلسفة!