إنكار وجولة

TT

الشيخ الدكتور عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية، له صولات وجولات، فمن كتب وآراء يخالف فيها مشايخ آخرين الى اجتهادات اقتصادية لقت الصد من قاعدة معينة ممن خالفوه، وخصوصا في مجالي التورق والتأمين على سبيل المثال. يواجه الدكتور المنيع اليوم حملة منظمة من الهجوم والاعتداء والإنكار على شخصه من قبل مجموعة غير بسيطة من الجماعات المتشددة بسبب تبوُّئه منصب الهيئة الاستشارية الشرعية لمحطة فضائية اسلامية جديدة انطلقت قريبا.

والاعتراضات التي قدمت كانت تتعلق بأمور خلافية كالموسيقى والإنشاد ووجه المرأة وشكل حجابها الشرعي ونوعية الافتاء والانفتاح على المذاهب وفقه المهجر وغيرها من المسائل المختلفة.

وطبعا كان الطرح المعترض المقدم هو نفسه الطرح المتحجر الذي «يقولب» العالم الاسلامي في شكل ثابت له «زيه» و«مفرداته» وعدد محدود جدا من العلماء الذين يشكلون هم دون غيرهم مرجعية السلف الصالح مع إقصاء تام للمرأة صوتا وشكلا وتفاعلا.

نوعية الطرح التلفزيوني الاسلامي الفضائي المطروح اليوم هو نفسه انعكاس للثراء والتنوع الموجود أصلا في الدين الاسلامي نفسه والذي تحاول مجموعة بعينها تقليص هذا الفهم لتضعه في اطار محصور يضيق بالمفاهيم ويحصر العلم ويقلص مساحة التيسير والترغيب بشكل يولد الانعزال والتقوقع والرؤى، وبطبيعة الحال ستكون نتيجته المباشرة تخريج جيل متشدد عنده يقين وقناعة مطلقة بأن ما قدم له هو «الحق المطلق» و«الحقيقة الوحيدة» وأن غيرها هو ضلال وبدعة وفسق وشرك وكفر وزندقة وغيرها من المفردات الجاهزة والمعلبة والمعدة سلفا للترويج المناسب.

الحرج الكبير الذي واجهه الدكتور عبد الله المنيع اضطره لاصدار بيان توضيحي يطلب فيه ممن عارضوه أن «يحسنوا الظن به» وأن «يمنحوه الوقت الكافي».

واذا كان هذا الهياج الكبير بحق شخصية بقامة الشيخ الدكتور عبد الله بن منيع، وهو الذي يعتبر بشكل معروف من المدرسة التقليدية المحافظة في أمور الافتاء والرأي، يتعرض لحملة إنكار بهذا الشكل، فكيف بمدارس أخرى في الدين الاسلامي؟

كيف سيتمكن الكثيرون ممن لديهم اطروحات وآراء وفتاوى وتصورات مغايرة لما هو مطروح على الساحة من طرح ما لديهم دونما التعرض للنسق المنظم الشبيه بما حدث للشيخ عبدا الله بن منيع ؟

افتراض أن ما تعرض له الشيخ الدكتور عبدالله بن منيع هو بمثابة رأي شعبي عام فيه انتقاص هائل للواقع وتغيير خطير للحقيقة غير مقبول أبدا . الحقيقة المغيبة أن المجتمع السعودي شديد التعطش للوسطية التي تؤمن مكانته كقلب العالم الاسلامي ولم يعد من الممكن استمرار ترويج فتاوى وآراء لا يتفق عليها إلا قلة قليلة جدا في العالم الاسلامي وتخالف الشرعية العظمى فيه واعتبار ذلك أنه الدين الصحيح.

أن ما حدث من انكار منظم الشيخ الدكتور عبد الله بن منيع يوضح أن صوت السوية والوسطية يجب أن يُدعم وأن المستقبل المشرق مرتبط بذلك .

[email protected]