ثقافة الأسهم

TT

ينسى كثيرون في أوقات الفورة والصعود في الأسواق المالية المبادئ الأساسية مثل ان هناك من يكسب لأن هناك من يخسر، او ان هناك عادة دورات صعود وارتفاع في الأسواق، ومشكلة المستثمر هي ان يستطيع تخمين سقف الارتفاع، وقاع الهبوط.

هذا الحديث ينطبق على حمى او ظاهرة الأسهم في بعض اسواق المنطقة في العامين الأخيرين بالتحديد، فقد نمت اسواق الأسهم بشكل كبير خاصة في السعودية ودول خليجية وعربية اخرى وارتفعت القيمة السوقية للأسهم وحجم التداول اليومي الى عدة مليارات من الدولارات متجاوزة اسواقا آسيوية شهيرة، كما اجتذبت الأسهم أعدادا كبيرة من صغار المستثمرين واصحاب المدخرات الصغيرة.

وهذا يشكل في حد ذاته ظاهرة ايجابية جدا، فسوق الأسهم هي مرآة لدرجة تطور وازدهار اقتصادها، انفتاحه.

ونمو هذا السوق يعني ان الاقتصاد يتنفس بشكل صحي، بينما دخول صغار المستثمرين والمدخرين من الطبقة الوسطى في السوق يعني امتصاص مدخرات هذه الطبقة واعادة تدويرها في انشطة اقتصادية انتاجية مفيدة، بدلا من ابقائها راكدة لا يستفيد منها أحد.

والجانب الآخر الايجابي في ثقافة الأسهم هو انه بقدر ما تتطور هذه الثقافة، يتسع حجم الشفافية الاقتصادية في البلد المعني، لأن ما يتم تداوله هو اسهم شركات مساهمة عامة مفتوحة يجب ان تكون دفاترها متاحة لمن يريد الاطلاع عليها، وهذه الشفافية تمتد الى بقية المجالات تلقائيا وتصل حتى في النهاية الى الشفافية السياسية بحكم الترابط القائم بين الاقتصاد والسياسة.

الوجه الآخر للعملة، الذي يحمل جانبا سلبيا، هو المضاربات التي يقوم بها البعض في بعض الأحيان من اجل احداث اتجاه اصطناعي في السوق سواء صعودا او هبوطا يدفعون المستثمرين فيه ليحقق المضاربون من ورائه ارباحا سريعة ثم يخرجون من السوق بسرعة، وعادة ما يكون الضحايا من صغار المستثمرين الذين تنسيهم الفورة في احيان كثيرة ضرورة التدقيق في اوضاع الشركات التي يستثمرون فيها وعلاقة قيمة السهم بأداء الشركة والعائد عليه، كما تأخذهم الحماسة في احيان اخرى لتجعلهم يوظفون كل مدخراتهم في مجال واحد متناسين المثل القائل «لا تضع البيض كله في سلة واحدة» او ما يعرف اقتصاديا بتوزيع المخاطر.

وفي فورة الأسهم الأخيرة في المنطقة كان واضحا ان هناك تعطشا من قبل الناس الى قنوات استثمار اتاحتها لهم سوق الأسهم واجتذبت اموالا ومدخرات طائلة، كما ان هناك حاجة الى قواعد افضل لتنظيم هذه الأسواق والتقليل من ظاهرة المضاربات او ترشيد آثارها.

فالمضاربات هي ظاهرة مصاحبة للظاهرة الأهلية، ولا توجد في العالم سوق مالية خالية من المضاربات، فهذا هو الطبع الانساني، وعلى الناس ان يتعلموا من خلال الممارسة، وان يتحملوا مسؤولية قراراتهم، وعلى الجانب الاخر فإن مسؤولية الجهات المشرفة على هذه الأسواق وضع القواعد والضوابط التي تمنع الممارسات الضارة في الأسواق.

أخيرا فان يدا واحدة لا تصفق، وسوق الأسهم لا تكفي وحدها لتكون قناة جذب المدخرات وتوظيفها، فكما يبدو هناك حاجة لتطوير ادوات مالية اخرى مثل السندات بأنواعها المختلفة، والأدوات الأخرى بحيث يستطيع المستثمرون ان ينوعوا محافظهم.