رؤية الشيخ (1ـ2)

TT

لم أنتظر نسختي الموعودة بل اشتريتها من مطار دبي. وهي من المرات النادرة التي اشتري فيها كتابا لمسؤول عربي عن رغبة وطواعية. كلكم يعرف دبي، مع أن القلة زارت هذه الإمارة التي طافت سمعتها ارجاء المنطقة. وكل من زار المدينة لا يحتاج الى ان يقرأ كتاب حاكمها الشيخ محمد بن راشد لمعرفة رأيه وفلسفته وأصل الحكاية لأن القصة واقفة شامخة من المطار الى المطار.

لكن من أراد ان يعرف ما وراء غابة الخرسانات والجزر الاصطناعية وسيل الزائرين اليها من انحاء العالم فعليه ان يقرأ «رؤيتي» فمؤلفه مطور فكرة المجتمع العربي الجديد، بلد بأكثر كم من النشاطات وبأقل قدر من القوانين. فالكتاب ليس تمجيدا ذاتيا انانيا مثل معظم كتب الزعماء العرب، ولا فانتازيا خيالية مثل «اخرج منها يا ملعون» لصدام، بل مناجاة شخصية تأملية انسانية فيها شحنات كبيرة من التحريض الايجابي وبيع الأمل.

والشيخ محمد بائع سياسي تنموي جيد اشترى العالم طروحاته من عرب واجانب. ادرك ان دبي الصغيرة حدودها العالم الفسيح من هنده الى أميركيتيه. وهو لا يكشف اسرارا انما اهمية الكتاب انه يصحح أخطاء شائعة من دون ان يسميها، ان دبي صنيعة البحبوحة النفطية، او دعاوى غسيل المال، او الاقتيات على عاهات الجيران السياسية او الاجتماعية او غيرها. رؤية المؤلف ليست معقدة، تقوم على طموح بلا حدود نحو النجاح. ولنتذكر انه فارس يؤمن بأنه لن يكسب ما لم يسابق، وسباق دبي يقوم في حقيقته على سر بسيط، السر في الادارة.

دبي الى جانب انها مشروع عمل مستقل، هي ايضا جنة الهاربين من كل الاشكالات الاقليمية. فاللاجئون الاجتماعيون، والهاربون من البيروقراطيات العربية، والفارون من المخاوف السياسية جنبا الى جنب الى الطموحين الحالمين الذين ضاقت بهم الدنيا حولهم. ولا يمكن ان يفهم السائر في شوارع المدينة المعادلة وقد يكون ضحية للشائعات التي تريد تقديم تفاسير تآمرية غير مصدقة ان الادارة الجيدة والانظمة السليمة وراء النجاح، كما ان عكسها سبب الفشل. يمكن ان تكون دبي اي مدينة عربية أخرى لأنها لم تقم على بحبوحة النفط ولا معونات المحسنين. يمكن ان تكون القاهرة او دمشق او المنامة او الدار البيضاء. هل تستطيع هذه الحواضر ان تتخلص من البيروقراطية والفساد؟ لو فعلت لأصبحت كلها مثل دبي، مدنا مزدهرة بالأفكار والطموحات والأموال والحياة الايجابية. الحقيقة انها جميعا اكثر من دبي الامارة الصغيرة على اطراف الخليج التي تعاني من نقص في كل شيء من المناخ الجيد الى الأيدي العاملة الى الأرض الفضاء.

وإذا كان لنا ان نقول للمؤلف شيئا فهو انه لحسن الحظ كتب كتابه بعد ان بنى امارته وليس العكس، لأننا لا نحتاج الى كتب ومحاضرات ونصائح بل نحن في امس الحاجة الى الدليل، الى النموذج الذي نستطيع ان نمتحنه ونحكم عليه لا ان نقرأ عنه.

[email protected]