القضاء والذئب بشري

TT

ليس للناس من حديث هذه الأيام سوى عن الحكم القضائي الذي أصدرته محكمة سعودية بالسجن 4 سنوات مع 4000 جلدة في حق مغتصب طفلة عمرها 4 سنوات، وكان الجاني قد خطفها من جوار منزلها في مدينة الرياض، وقام باغتصابها ورميها فاقدة الوعي أمام أحد البيوت المهجورة.. فالمجتمع الذي ينظر إلى ذلك الجاني كذئب متوحش يرى في ذلك الحكم تخفيفا مخلا بالعقوبة الملائمة لحجم الجرم الذي ارتكبه ذلك الوحش في حق طفولة بريئة خدش أمانها إلى الأبد.. ومن حسن الحظ أن قرار المحكمة لم يثبت بسبب رفض الادعاء العام للحكم، وكذلك عدم موافقة اثنين من القضاة عليه، إضافة إلى مطالبة أسرة الضحية بتطبيق حد الحرابة على الجاني.

وأحمد الله أن هذا الحكم لم يثبت وإلا لسقط جدار الردع عن مثل هذه السلوكيات المنحرفة، فالقضاء السعودي الذي عرف عنه الحزم والعدل والحق لم يكن ليقبل بمثل هذا الحكم الذي لا يتوازى مع هذه الجريمة النكراء التي نشرت الخوف في نفوس المجتمع، وغدت شبحا مرعبا في ذاكرة الآباء والأمهات وكافة أفراد الأسر.

وأخال أن القضايا المتصلة بانتهاكات الطفولة يفترض أن تحظى أحكامها بتغطية إعلامية مكثفة لتشكل رسائل حازمة حاسمة لكل من تسول له نفسه المريضة تهديد أمان الطفولة وسرقة طمأنينتها، ولعلي أتذكر هنا الطفلة غصون التي تعرضت لعمليات تعذيب شرسة من قبل والدها وزوجته تسببت في وفاتها قبل بضعة أسابيع، وكذلك مأساتي الطفلتين رهف وأحلام اللتين عانتا من التعذيب الجسدي والنفسي البالغين من جراء العنف الأسري أيضا، وقد تدخلت رحمة الله في إنقاذهما، وكل هذه القضايا كتبت عنها الصحف فور حدوثها، ولكنها ظلت أخبارا مبتورة لأنها لم تقل لنا عن العقوبات التي طبقت في حق الجناة لتطمئن النفوس وتهدأ الخواطر، وتلك مشكلة الكثير من الأخبار في صحافتنا المحلية، فبقدر ما أتاحت السلطات الأمنية من فرص النشر عن الجرائم التي تحدث فإن جهات أخرى لا تزال تمارس التحفظ على تزويد الصحف بالأحكام الصادرة في القضايا التي ينشغل بها الرأي العام، رغم ما يتضمنه الإعلام عن هذه القضايا من إيجابيات تتمثل في التوعية والردع وتأكيد نزاهة القضاء السعودي الذي نفخر به جميعا.

[email protected]