مساعي إيران لأن تصبح «شرطي الخليج» تصطدم بالرفض الأميركي

TT

قبل فترة قصيرة قال الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، إن بلاده ستضرب عرض الحائط، بأي قرار يصدره مجلس الأمن، يتضمن اي إدانة لها بخصوص برنامجها النووي. ويوم الاثنين الماضي وجهت ايران رسالة الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، تحتج على التهديدات الاميركية الواضحة بشن هجوم ضدها، وقال سفيرها في الامم المتحدة محمد جواد ظريف إنه من الضروري ان يولي «مجلس الأمن» ـ ذاته ـ والامم المتحدة انتباهاً جدياً لهذه التهديدات والملاحظات غير المشروعة وان يقوما بتحرك سريع وحاسم للحؤول دونها.

يجدر السؤال هنا: ماذا لو ضربت اميركا عرض الحائط بطلب مجلس الأمن وكوفي انان منها، وبناء على شكوى ايران، ان تلتزم الحذر ولا تهدد ايران؟ وكان مسؤول اميركي قد علق الاسبوع الماضي، في لقاء خاص، على تكرار ظهور احمدي نجاد واستمتاعه باطلاق التصريحات النارية: «يبدو ان الرئيس الايراني لا يدرك مخاطر المواجهة النووية!».

وكان احمدي نجاد، وقد صرنا نعرف صوته وعيوننا مغّمضة، قال:

«هل تتخيلون انتم القوى العظمى في الغرب، انه باصدار القرارات وطرح قضيتنا على هذه المنظمة او تلك، واخفاء وجوهكم البشعة وراء قرارات غاشمة تنطلق من هذه المنظمات او من مجلس الأمن سيكون في استطاعتكم فرض شيء على الشعب الايراني؟ واذا اعتقدتم انه في استطاعتكم اجبار الامة الايرانية على التراجع عن حقها، فانكم لم تستوعبوا بعد قوة هذه الامة».

يحاول احمدي نجاد الضرب على وتر الاحساس القومي لدى الايرانيين، وقد اصدرت الحكومة الايرانية اخيرا طابعاً بريدياً يحمل شعار: «الطاقة النووية حقنا الشرعي»، على الطابع صورة برسيبوليس عاصمة الفرس القديمة، وقد فسّر احد الايرانيين العارفين علاقة برسيبوليس بالطاقة النووية كالتالي: ان الامبراطور الفارسي كان يتسلم الهدايا والعطايا من شخصين، احدهما هندي عاري القدمين وآخر ارمني، واليوم صار الهندي يمتلك قنبلة نووية، وصار لدى الارمني مفاعل للطاقة النووية لانتاج الكهرباء. ويضيف: «ان الرسالة اذن واضحة، ان هويتنا العريقة راسخة وان الدول الفقيرة التي كانت تقدم لنا الهدايا اصبحت الآن متقدمة علينا».

لقد صارت المسألة النووية قضية وطنية في ايران، لكن اذا ما اتُخذ قرار دولي وبدأت المقاطعة تفعل فعلها، فإن الدعم القومي للمسألة النووية سيتقلص، خصوصاً اذا كانت المقاطعة جدية وتشمل الغاز والنفط، ذلك ان 90% من العائدات الايرانية مصدرها النفط، الذي يشّكل 80% من صادرات الدولة، وحتى لو شملت استيراد النفط المكرر، لأن جزءاً كبيراً منه، يأتي ايران من الخارج. رغم ان احمدي نجاد قال في 27 من الشهر الماضي في مدينة زانجان: «ان لدى ايران كل الامكانيات لتصبح وبسرعة قوة دولية عظمى».

الرئيس الايراني نفسه، كان استدعى الصحافة العالمية في الرابع والعشرين من الشهر الماضي لحضور مؤتمر صحافي عقده، حيث قال: ان بلاده مستعدة للحديث مع كل دول العالم، لكن التفاوض مع اي طرف له شروطه، وحدد الولايات المتحدة بالاسم قائلاً «إذا تم استيفاء هذه الشروط، فاننا سنفاوض». لكنه لم يقل ما هي الشروط الايرانية للتفاوض. ويذكر انه في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما حمل الرئيس العراقي جلال طالباني العرض الاميركي لمحادثات ثنائية بين واشنطن وطهران حول العراق، وقابل احمدي نجاد والمرشد الاعلى للثورة الاسلامية آية الله علي خامنئي وبعض كبار المسؤولين الايرانيين كان جوابهم، ان ايران يمكن ان توافق انما بشرطين، الاول: ان تبقى المحادثات خاصة، والثاني: ان تشمل كل القضايا العالقة بين الدولتين.

منذ نهاية العام الماضي والقادة الايرانيون يوجهون اشارات الى الولايات المتحدة بأنهم يريدون محادثات مباشرة معها حول برنامج ايران النووي والقضايا الاخرى العالقة. بدأت المحاولات الحثيثة والجدية في لقاءات خاصة جرت في طهران بين مسؤولين ايرانيين وبعض الزوار الاجانب، وتركزت على الاقتراحات العلنية التي كان يطلقها اعضاء في مجلس الشورى الايراني تشجع على محادثات اميركية ـ ايرانية. لكن احمدي نجاد انتظر حتى مؤتمره الصحافي الاخير ليشير الى انفتاحه على مثل هذا الامر.

المسؤولون الايرانيون، وبينهم الذين ينتقدون خطاب احمدي نجاد، اكدوا باستمرار ان السياسة النووية الايرانية لا يقررها رئيس الجمهورية. ويُذكر انه في اواخر شهر شباط (فبراير)، واوائل شهر آذار (مارس) الماضيين، قال حسن روحاني رئيس المجلس الاعلى للأمن القومي، وفي مناسبتين مختلفتين، ان المسألة النووية يقررها كبار مسؤولي الدولة، وليس الحكومة الحالية: «إن السياسات الايرانية العامة لا تتغير مع الحكومات الجديدة».

هل بدأت المنافسة ما بين احمدي نجاد وآخرين في القيادة الايرانية؟ لم يستطع احد المزايدة عليه في المسألة النووية، خصوصاً ان الصحف ممنوعة من مناقشة هذا الملف وابداء آرائها، لكن التخوف من الثمن المرتفع لهذه المسألة، قد يكون ابعد من قدرة ايران موّحدة على تحمّله.

لقد جاءت اشارة احمدي نجاد العلنية على خلفية حملة ديبلوماسية هادئة، يقوم بها ومنذ اشهر مسؤولون ايرانيون لايصال استعداد بلادهم التفاوض مباشرة مع واشنطن، حول قضايا أمنية متعددة، وتم ارسال هذه الرسالة عبر ديبلوماسيين وشخصيات اجنبية اخرى زارت طهران اخيراً، وقد نشر وزراء خارجية سابقون من الولايات المتحدة، والمانيا وهولندا وبولونيا وفرنسا واللوكسمبورغ، بيانا موقعّا باسمائهم في صحيفة «الهيرالد تريبيون» ( في 26 من الشهر الفائت)، يدعو «الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش الى التحادث مع ايران»، على اساس انهم (الموّقعين) وعلى مدى الاشهر الماضية التقوا «مسؤولين ايرانيين فاعلين ووجدوا لديهم الرغبة في اجراء محادثات موّسعة مع الولايات المتحدة حول المسائل الأمنية».

ليست هذه المحاولة الايرانية الاولى لشد واشنطن الى مفاوضات مباشرة مع ايران حول المسائل الأمنية. ففي شهر ايار (مايو) من عام 2003، ارسل السفير السويسري في طهران تيم غولديمان، الذي كان يمثل المصالح الاميركية هناك، الى واشنطن اقتراحاً ايرانياً من صفحة واحدة يعرض التفاوض في المسألة النووية الايرانية ودعم ايران لحزب الله والمنظمات الاخرى المعادية لاسرائيل، مقابل ضمانات أمنية ووضع نهاية للمقاطعة الاقتصادية. حسب مصدر غربي مطلع، فإن تلك المبادرة كانت تلقى دعم آية الله خامنئي والمجلس الاعلى للأمن القومي، وكانت سبقتها ايضاً حملة هادئة من اشارات ارسلها مسؤولون ايرانيون عبر قنوات ديبلوماسية وغير رسمية. يومها، حسب المصدر شعر الايرانيون بأن الوقت مناسب للتفاوض، فهم توقعوا ان تعم الفوضى العراق بعد الغزو، وحسبوا حاجة اميركا لتعاون الاطراف الشيعية السياسية، والمجموعات المسلحة التي تصغي الى النصائح الايرانية، الا ان ادارة بوش اهملت عام 2003 الاقتراح الايراني، وفي الاشهر الاخيرة رفضت علنا التفاوض مع ايران حول المسألة النووية، وهي ترفض التفاوض تجنباً للاعتراف بالنظام الايراني الحالي.

لكن وبعدما اعلنت ايران عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم، وإن بنسبة 3.6%، لأنه يبقى عليها ما نسبته 96.4% لتتمكن من انتاج قنبلة نووية، دعا رئيس لجنة العلاقات الخارجية الاميركية في الكونغرس الاميركي ريتشارد لوغارد والسناتور جوزيف بيدن احد اعضائها، الى محادثات مباشرة مع طهران.

بعض العارفين باسلوب التفكير الايراني يرى ان ايران سارت في عملية التخصيب الجزئية هذه، استعداداً للتفاوض حول المسائل الأمنية الأبعد التي تجعلها بمثابة «شرطي الخليج»، وصاحبة نفوذ في العراق. ويضيف هؤلاء العارفون ان عملية التخصيب صارت ورقة مساومة، فالايرانيون يخلقون واقعاً على الارض سيمنحهم، حسب اعتقادهم، نفوذاً في المفاوضات مع الاميركيين لتحقيق مطالبهم وهي: رفع المقاطعة الاميركية عنهم، والضمانات الأمنية وامدادات الطاقة مقابل التنازل عن مسألة تخصيب اليورانيوم.. ويؤكد المصدر الغربي انه صار هناك توافق ايراني بأن تسوية تتعلق بالمسألة النووية، والضمانات الأمنية وتطبيع العلاقات مع اميركا يمكن التفاوض حولها.

يبقى ان ما يقلق الاميركيين نوعية الحكومة القائمة في ايران، وكان وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد استعمل في وصفها عبارة: «الفاشية الاسلامية»، وقالت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية إن ايران الممول الاساسي للارهاب في العالم، وتمول مجموعات على قائمة الارهاب الاميركية. ثم ان اللغة التي يستعملها احمدي نجاد تثير مخاوف الغرب كله، وتتجه الرغبة السياسية في اميركا الى الضغط لعرض المسألة النووية على مجلس الأمن كي يصير الى فرض عقوبات على ايران. ويبدو ان الادارة الاميركية اتخذت قرار عزل ايران. انها حرب باردة جديدة، وما يتم تسريبه في بعض الدوائر هو انه اذا لم تستطع واشنطن دفع مجلس الأمن الى الاتفاق على المقاطعة، فانها ستنظر الى اساليب أخرى وتعمل مع « حلفاء الارادات».

ان واشنطن مصرّة على مواجهة هذه المسألة بأسرع وقت وتريد من مجلس الأمن اصدار قرار في نهاية هذا الشهر، واذا لم يحصل هذا، فانها تنوي ان تفرض ومعها دول اخرى عقوبات خلال الصيف. ولا تعتقد الادارة الاميركية انه من المفيد التفاوض مباشرة مع ايران، وهناك نقاش كثير حول هذه السياسة وعمّا اذا كانت صائبة. وما تخاف منه واشنطن ان الايرانيين ماهرون في التفاوض، وانه باستطاعتهم التلاعب وتصعيب الامر على المفاوضين الاميركيين، كما فعلوا مع الاوروبيين، وترى واشنطن ان ايران وقعّت على اتفاقية عدم انتشار الاسلحة النووية، ومع هذا مارست سياسة الخداع مع الجميع وستستمر في هذه السياسة، لهذا ستظل تعمل على عزل ايران.