اللعبة الجديدة

TT

صراع الحضارات له أشكال مختلفة ومتنوعة، ومن أهم علاماته هو رغبة الأطراف «ادعاء» أنهم أصحاب السبق الحضاري وملكية كل ما هو ناجح. ومن الطرائف التي تروى في هذا الاطار، قصة منشأ اسم طبق الحلوى المشهور «أم علي»، فطبعا الرواية الأشهر، هي أن منشأه مصري، ولكن هناك رواية ضعيفة تقول، إن منشأه طبق الحلوى الذي كان يقدم في قصر الخديوي، وتعده مربية الأطفال الايرلندية هناك «أومالي» ومن هنا جاء الاسم! طبعا هناك نماذج أخرى مختلفة لهذا الفهم، هناك صراع واضح اليوم للسيطرة على الاقتصاد الجديد، الذي تحول من اقتصاد يعتمد على المعلومات الى اقتصاد المعرفة. فالعالم منذ ما يقارب الخمسين سنة يشاهد نماذج مختلفة من قصص النجاح في الاقتصاد الجديد عن وادي السيلكون الأشهر في ولاية كاليفورنيا، الذي كان نقطة انطلاق شركات التقنية العالمية والانترنت، مع عدم اغفال مدينة بوسطن، التي كانت تقدم الجانب العلمي لمساندة هذه الشركات عبر جامعاتها العريقة ومراكز الابحاث أيضا. ولكن شيئا بدأ يحدث في الجنوب الجغرافي لبعض البلدان في ما يخص القطاعات الجديدة. وأطلق العديد من الدول الآسيوية مبادرات مهمة للدخول في منطقة الجنوب العلمي والتقني، فكانت هناك مبادرات مهمة جدا من قبل كوريا الجنوبية وماليزيا وتايلند وسنغافورة وطبعا اليابان. وباستثناء اليابان كافة هذه الدول كانت تعاني مر المعاناة من النمط الاقتصادي التقليدي، الذي كان يعتمد بشكل أساسي على الموارد الطبيعية وصناعة متواضعة. وذات الشيء حدث في اوروبا، فكانت نهضة كل من فنلندا وايرلندا، اللتين انتقلتا وبقوة الى عالم الاقتصاد الجديد. وطبعا ظهر على الساحة العملاقان الأكبر، وهما الهند والصين، وغيرا العديد من قواعد اللعبة التقليدية في مجال الاقتصاد الجديد، التي كانت أشبه بالقوانين المسلم بها. اليوم هناك سعي محموم وغير عادي لامتلاك حق الاقتصاد المعرفي الجديد، وهو الاقتصاد الذي سيعاد فيه رسم الخريطة الجغرافية للعالم، الذي بني ورسم في وقت من الاوقات بعد الثورة الصناعية الكبرى وقسم العالم بالتالي بين الشمال والجنوب بناء على مفهوم التمكين والقدرة الاقتصادية لدول الشمال المنتجة والقصور والضعف لدول الجنوب المستهلكة. ولكن هذا المفهوم القديم مرشح للتغير وبقوة في ظل اقتصاد معرفي لا يعترف بالجغرافيا ويستبدل رأس المال المادي بمفهومه التقليدي برأس المال البشري وتصبح أهم «السلع» المنتجة خدمات مطورة ذات قيمة مضافة. إنه العالم الجديد الذي يعترف فقط بالتواجد الجاد العملي لا التنظير و«التطبيل» من خارج الملعب أو حتى خارج «الاستاد» نفسه الذي تجري عليه المباراة بين اللاعبين الجدد.