الخير في خيراته

TT

الموسيقار عبد السلام خير من اهل الخير وخيراته كثيرة على العروبة والاسلام. فلسنوات عديدة واظب في لندن على تعليم الجمهور فنون الموسيقى العربية. وفي الاسبوع الماضي جاء لديوان الكوفة برهط من تلامذته، وتلامذته جاءوا من مشارق الارض ومغاربها؛ من أوزبكستان واليابان شرقا الى بريطانيا والارجنتين غربا. اذا كان هناك شيء يجمع بين الشعوب والطوائف فهو الموسيقى. اعتقد ان على اليونسكو ان تدعم مجهودا مثل مجهود عبد السلام الخير.

وانا لا اوجه ندائي هنا للمنظمات العربية، فهي مشغولة بأمور اخرى، كالولائم. وكل ذلك رغم ان عبد السلام الخير هو خير سفير للعرب والمسلمين. فهو يكشف لجمهور لندن عن الوجه الحضاري لتراثهم وتاريخهم ويريهم ان الاسلام حضارة وليس الارهاب او الجهل او الخرافات.

استمعنا في هذه الحفلة لكاليا اليونانية تعزف على الناي ورينا اليابانية تعزف على العود وجيما الآرلندية تغني فيروزيات والفرقة بكاملها تنشد «يا شادي الالحان» وسواه من الموشحات العربية. فعبد السلام لا يعلمهم الموسيقى فقط، بل وكذلك اللغة العربية، والشعر العربي. عزفوا وغنوا وانشدوا لجمهور اصغى اليهم بكل جوارحه وافئدته.

بعد الحفلة الاولى من تقديم مسرحية اوسكار وايلد الشهيرة «اهمية الاسم ارنست» وما لقيته من تصفيق وهتاف، ارتقى المؤلف خشبة المسرح ليشكر الجمهور ويهنئهم. قال لهم لقد اثبتم انكم جمهور ناجح. فأنا اعرف ان مسرحيتي ستكون ناجحة. كان السؤال هل سيكون جمهورها ناجحا؟

وهذا ما انطبق على جمهور ديوان الكوفة. فقد كنت اعرف ان منتوج عبد السلام الخير سيكون ناجحا. وفي هذه الحفلة اثبت لنا ان جمهور الكوفة ايضا جمهور ناجح. وهذه نقطة مهمة. فالكوفة وجمهورها يكشفون كما كشف هذا الموسيقار عن الوجه الحضاري للعرب والمسلمين. اذا كانت الامسية موسيقية، تراهم يصغون للموسيقى والغناء بكل هدوء وصمت واحترام. اذا كانت الامسية محاضرة او ندوة او مناقشة يستمعون اليها بنفس الاحترام ورحابة الصدر. يناقشون الموضوع مهما كان حساسا وخطيرا بهدوء ويعطون لكل مشارك حقه في الكلام والانصات. طوال عمر ديوان الكوفة الطويل، لم أر احدا من جمهوره يخرج عن حدود الادب، او يتطاول على متكلم او يتعارك مع خصم. انه وجه حضاري جدير بأن يزوره الرؤساء والبرلمانيون العرب ليتعلموا منه. وهو في آخر المطاف الوجه المتنور الحر لعراق الفكر الحر.