برج الخلق

TT

ذهب جورج افرام يافعاً الى السعودية في الخمسينات ليعمل ويعيل اشقاءه الاصغر منه. وعند الظهر كان ينزل من مكتبه ليشتري غداءه من الدكان القريب. ولاحظ ان صاحب الدكان يعطيه ما يشتري من اغراض من دون ان يلفها بورق. فسأله عن السبب، فأجاب ان الورق قليل في المملكة. عاد جورج افرام الى عمله وهو يحلم بإقامة مصنع ورق. وعندما توفي قبل يومين كان احد اكبر رجال الصناعات الورقية، في السعودية ولبنان و... اميركا.

كان جورج افرام واحداً من سلسلة طويلة من اللبنانيين الذين هاجروا الى السعودية في مراحل مختلفة وعادوا بثروات طائلة وقرروا العمل في السياسة: الحاج حسين الحسيني ورفيق الحريري في رئاسة الحكومة. ونجيب صالحة في النيابة والوزارة. وجورج افرام. وأطال الله في عمر الوزير نعمة طعمة، الذي لا يزال يدير شركة «المباني»، في جدة، بالإضافة الى مهامه.

والقاسم المشترك بين جميع هؤلاء السياسيين العائدين، كان المستوى الخلقي في سوق السياسة اللبنانية. وهناك قاسم مشترك عفوي آخر مثل صدفة الذين يولدون في برج واحد او عام واحد. وهو انهم جميعاً رجال انتاج وعمل لا رجال ثرثرة ولغو وبيانات واكاذيب. هناك الوف الناس تعمل في مؤسسات جورج افرام ونجيب صالحة ونعمة طعمة ورفيق الحريري. وكان جورج افرام نموذج السياسي النزيه والآدمي لدرجة انه طرد من الحكومة ليحل محله السيد ايلي حبيقة. وقد جرى ذلك في جلسة عاجلة سبقت توقيع عقد كهربائي رفض افرام توقيعه.

ويجمع بين هؤلاء المهاجرين ايضاً، انهم كذلك رجال برّ وخير ومؤسسات تساعد وتقدم المنح والمعونات. ومن يقرأ في الصحف السعودية واللبنانية اعلانات التعزية في جورج افرام، يستخلص اي نوع من الناس كان ذلك الرجل المجتهد والخلوق والمتواضع. وقد اخطأت اخطاء كثيرة في حياتي. ومنها ان جورج افرام كان يطلبني ويدعوني للمعارفة، وفي كل مرة كنت اعتذر مؤجلاً، غير مدرك ان الانسان لا يملك التحديد ولا التأجيل. على انني سوف افتقد جورج افرام مثل الذين عرفوه، وأفاخر بسمعته العاطرة في الخارج وفي هذا البلد القلق، الذي تقل فيه هذه الفئة من السياسيين، وهذه الطبقة من الرجال. وا أسفاه.