«حزب الله» هو خط الدفاع الأول لإيران ضد إسرائيل

TT

لأول مرة منذ 27 سنة، عمر الجمهورية الاسلامية في ايران، يوجه رئيس ايراني رسالة الى رئيس اميركي، هذا ما فعله الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد هذا الاسبوع، وقال الناطق باسم الحكومة، غلام حسين إلهام، إن تفاصيل الرسالة سيُكشف عنها عندما يتسلمها الرئيس جورج دبليو بوش.

الكل يذكر «اجتماع جنيف» الشهير، قبل حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عندما حمل وزير الخارجية العراقي آنذاك رسالة من رئيسه صدام حسين موجهة الى الرئيس الاميركي جورج بوش الأب، وقدمها الى وزير خارجية اميركا يومها جيمس بيكر الذي رفض تسلمها.

عام 2003 نقل السفير السويسري في طهران تيم غولديمان رسالة اقتراحات ايرانية، رفضت الادارة الاميركية الرد عليها. ماذا لو رفض الآن الرئيس الاميركي تسلم رسالة الرئيس الايراني؟ واذا ما تسلمها، فهل يعني ذلك اعترافاً بعقلانية الرئيس الايراني وتصريحاته الطنانة؟ وماذا إذا كانت آراء وحلول احمدي نجاد «للخروج من الأزمة التي يشهدها العالم» تهدف الى تطبيق تصريحاته؟ وكان لوحظ ان الناطق الحكومي لم يقل ما اذا كانت الرسالة تشير الى الأزمة النووية الايرانية.

الصحافة الايرانية ذكرت ان من عادة احمدي نجاد كل سنة، وفي مثل هذا الوقت، ان يوجّه رسالة الى الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وانه اراد احتفالاً بهذه المناسبة توجيه رسائل الى كل قادة العالم واختار البدء بالرئيس الاميركي. باختصار نسفت الصحافة الايرانية اي معنى لرسالة احمدي نجاد، وقد يكون انه كتب الرسالة وطلب من الاعلام عدم رفع سقف التوقعات عالياً.

ان عادة توجيه رسائل من الزعماء الايرانيين الى قادة العالم ليست بجديدة، فهناك الرسالة الشهيرة التي وجهها آية الله الخميني الى الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يدعوه فيها الى اعتناق الاسلام ويحّذره من ان النظام السوفياتي سينهار. وقد انهار لأسباب اخرى طبعاً. كانت تلك الرسالة روحية اكثر منها سياسية، ولم تؤثر ابداً على غورباتشوف. اما رسالة احمدي نجاد، فإن وراءها صراعا ايرانيا داخليا بينه وبين من بدأوا فعلا الاتصال بالاميركيين في محاولة لعزله وإنقاذ إيران من العزلة الدولية، وكان الرئيس الايراني قال بوضوح في الرابع والعشرين من الشهر الماضي انه مستعد للتفاوض مع اميركا، بعدما كان رفض، بعد قبول، الدعوة الاميركية لإجراء محادثات مع ايران حول العراق، والآن بعدما خفت الحماسة الاميركية لذلك الحوار الذي بنى عليه الخبراء السياسيون آمالا بأنه سيتوسع ليشمل الملف النووي الايراني، بدأ الصراع الايراني الداخلي.

ماذا يمكن ان تكون تضمنت رسالة احمدي نجاد الى الرئيس بوش؟ في جلسة مغلقة جرت اخيرا في لندن ضمت مجموعة صغيرة من سياسيين غربيين وشخصية ايرانية نافذة وقريبة من اصحاب القرار في طهران، قالت تلك الشخصية إن المسألة النووية الايرانية ذات التوجه السلمي بدأت زمن الشاه محمد رضا بهلوي الذي اتفق مع المانيا وفرنسا، وبعد نجاح الثورة الغت الدولتان الاوروبيتان عقودهما، فاتفقت الجمهورية الاسلامية مع روسيا لبناء مفاعل بوشهر، ومنذ ثلاث سنوات، بعد عمليات سبتمبر، وحربي افغانستان والعراق صارت الولايات المتحدة تضغط على ايران والملف النووي. واضافت الشخصية الايرانية:«لا نعتقد ان الخوف بسبب النووي، انما هو مواجهة سياسية بين اميركا وايران، ويجب ايجاد حل، وهناك فقط طريق واحد لذلك عبر الديبلوماسية والتوصل الى تسوية». ثم عرضت الشخصية المقترحات الايرانية للحل كالتالي:

1 ـ يجب ان يجد الطرفان وسيلة لبناء الثقة في ما بينهما، عندها تعلن ايران انها مستعدة لإرجاء التخصيب لمدة سنة مقابل ان تلغي اميركا مقاطعتها، وخلال هذه السنة يمكننا ان نتحاور.

2 ـ في الوقت الذي نوقف فيه تخصيب اليورانيوم، يمكن للمفتشين الدوليين زيارة كل الاماكن لمدة محدودة، ونقبل اثناءها البروتوكول الاضافي، ونسمح للعلماء الايرانيين بلقاء المفتشين ونقدم لهم كل الملفات.

3 ـ تتشكل مجموعة دولية (كونسورتيوم) من ايران، واميركا، وروسيا، والصين واوروبا، وتقوم بإدارة المفاعلات النووية ومراقبة النشاطات النووية لتتأكد بانها سلمية، ويكون كل التخصيب تحت اشراف الكونسورتيوم لأن ايران لا تريد عمل اي شيء مستقل.

في ذلك اللقاء قالت الشخصية الايرانية النافذة، ان العرض الروسي للتخصيب غير مقبول:«لقد اعتدت روسيا على ايران مرتين في المائة سنة الاخيرة، ولا يمكن ان نثق بالروس، انهم اعداء ايران». واضافت:«ولا يمكن ان نقبل تخصيب اليورانيوم الايراني فوق اي ارض غير ايرانية، لأن كل دولة يمكن ان توقف العمل به ساعة تريد».

وحذرت الشخصية الايرانية من محاولة فرض مقاطعة عالمية على ايران، فعندها «ستغير سياستها النووية وتنسحب من اتفاقية الحد من انتشار الاسلحة النووية وتتجه الى العمل السري، ثم استطردت بأن لكل دولة نشاطات سرية!» ولوحظ في تلك الجلسة ان الشخصية الايرانية اعتمدت لهجة التهديد بإشعال الشرق الاوسط، حيث قالت:«ان وصول الملف الايراني الى مجلس الأمن يعني التمهيد للمقاطعة التي سيليها عمل سياسي ثم عمل عسكري، عندها لا نعرف ماذا سيحدث في الشرق الاوسط، ان هذه المنطقة خطيرة جداً، هناك فلسطين ـ اسرائيل، وحزب الله والتكفيريون، لذلك من الافضل التركيز على الحل الديبلوماسي، ثم ما الذي يقنع ايران بأن الملف النووي سيكون نهاية الطلبات الاميركية؟ اذا تأكدنا انه نهاية المشاكل فان المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني مستعد لايجاد حل.

واردفت الشخصية الايرانية قائلة:«ان هناك سوء تفاهم بين اميركا والعالم، وهي لا يمكنها ان تحقق اهدافها من دون تعاوننا، ونحن نقبل المصالح الغربية في الشرق الاوسط، اي النفط، وايران على استعداد ان تقدم النفط المطلوب للغرب كما يريد». في الجلسة قيل للشخصية الايرانية، ان هناك اثباتات تؤكد ان ايران تتابع برنامجاً نووياً عسكرياً وتعمل على نشر اسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الاوسط، وان بنود الامم المتحدة وُضعت لمنع نشر هذه الاسلحة، وهي نجحت طوال 31 سنة، واذا كان يجب ان تستمر فعلى ايران ان تلتزم. اذا وجد حل للمسألة النووية الايرانية، تُحل مشاكل كثيرة بين ايران والمجموعة الدولية. ثم قيل للشخصية الايرانية، ان على ايران ان لا تعتقد بأن روسيا والصين، والبرازيل وجنوب افريقيا، ستقلل من دور الامم المتحدة. ان العالم يريد دعم البنود والقواعد الدولية والمسألة ليست بين ايران واميركا، انها بين ايران والنظام العالمي.

قد يكون هذا التوضيح استفز الشخصية الايرانية التي ردت قائلة:« لقد تغير توازن القوى في المنطقة، فقد الغرب فلسطين وجاءت حماس، وفي مصر وصل الاخوان المسلمون الى البرلمان، وفي العراق وصل الشيعة الى الحكم. اذن انهارت سياستكم في الشرق الاوسط». وعندما سئلت الشخصية السياسية عن حزب الله في لبنان وعما اذا كانت ايران ستعتمد عليه لاطلاق الصواريخ على اسرائيل اذا ما تلقت ضربة عسكرية اجابت: «نعم. ان حزب الله في لبنان من اسس أمننا الاستراتيجي، انه خط الدفاع الايراني الاول ضد اسرائيل، ولا يمكن ان نقبل بنزع سلاحه، انه يزداد قوة ووزناً، وعلى اميركا ان تتعلم الدرس العراقي، اذا كانت تريد تغيير النظام في ايران فلا مجال للنقاش، اما اذا كانت تريد تغيير التصرفات الايرانية فاننا مستعدون».

في تلك الجلسة قيل للشخصية الايرانية إن فكرة الكونسورتيوم غير مقبولة، لأن تطبيق هذا الاقتراح سيوفر لايران المنشآت النووية والحصول على التكنولوجيا المطلوبة للاسلحة النووية من دول العالم، وانه اذا لم توقف ايران العمل نهائيا بمشروعها النووي فإن الحرب ستقع العام المقبل على ابعد تقدير. وكان رد الشخصية الايرانية:«ان ايران مستعدة للمواجهة العسكرية، وبعدها يمكن ان نجلس ونتفاوض، ويخطئ الغرب اذا ما اعتقد ان الاحداث ستنحصر في ايران» واضافت: «اما اذا اختارت اميركا التفاوض فاننا مستعدون لتطبيع العلاقات الديبلوماسية معها، وهذا ليس ضد مصالحنا، اذا جرت مفاوضات فان ايران تستطيع ان توفر لاميركا الأمن والاستقرار في الشرق الاوسط، نجلس معا ونقرر»، واستبعدت الشخصية الايرانية اي دور للدول العربية في الشرق الاوسط: «فإيران هي القوة الوحيدة، واستراتيجياً نحن ضد حصول مصر والسعودية على النووي. العالم يسألنا لماذا نحن ضد اليهود فهم لم يفعلوا شيئا ضدكم، العرب هم الذين ضدكم. ان ايران تريد الاستقرار في العراق، لقد عمل آية الله السيستاني الكثير للجم المتشددين الشيعة، بينما تدعم سوريا المقاتلين السنّة والبعثيين، وكذلك السعودية والاردن».

اما عن احمدي نجاد فقالت الشخصية الايرانية:«انه لا يمثل سياسة ايران، وتعتقد القيادة ان 60% من مشاكل السياسة الخارجية الايرانية هو سببها. احمدي نجاد لا يؤمن بالغرب، يريد اقامة جبهة اسلامية. الدول الاسلامية غير مهمة بنظره، المهم الأمة الاسلامية. حسب الدستور يدير الرئيس جزءاً من النظام، واحمدي نجاد لا يمكنه ان يأمر اي جندي، ولا منفذ له على الحرس الثوري او على الجيش. انه عضو في المجلس الاعلى للأمن القومي، وهذا المجلس هو المسؤول عن الدفاع والأمن». وعندما قيل للشخصية الايرانية، لماذا لا يتم انتقاده علناً، كان ردّها انها غيّرت الحديث.