الأردن: المواجهة مع «حماس» لا تزال في بداياتها !

TT

إنها قضية غدت كـ«قضية إبريق الزيت»، كما يقال، فجديد العلاقات بين الأردن وحركة «حماس» هو أن هذا اليوم (الخميس) سيشهد، إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، قنبلة إعلامية من الوزن الثقيل حيث ستتناقل الفضائيات وقائع أول حلقة في سلسلة قضية الأسلحة التي تم ضبطها والتي تحصر السلطات الأردنية مسؤولية تهريبها عبر الحدود مع سوريا بخالد مشعل وبالتنسيق مع أجهزة المخابرات الإيرانية.

من المتوقع أن يظهر، هذا إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، إثنان من المتورطين ليدليا باعترافات خطيرة ومن المتوقع أيضاً أن يصاحب الإدلاء بهذه الاعترافات بثٌّ تلفزيوني لصور بعض الأسلحة التي يقال إن «حماس الخارج» قامت بتهريبها عبر الحدود السورية ومن بينها صواريخ «لاو» وصواريخ «غراد» ومسدسات وبنادق «أوتوماتيكية» وكميات كبيرة من مكعبات مادة «سي فور» c4 الشديدة الانفجار.

وحسب المصادر الأردنية الرسمية فإن العرض التلفزيوني الآنف الذكر ستتبعه عروضات لاحقة أخرى في ضوء ما هو متوقع أن تكشف النقاب عنه التحقيقات الأمنية المتواصلة والتي من المتوقع ان تتواصل».. لأن الأمور أكثر تعقيداً وخطورة مما يتصور كثيرون ولأن هناك متورطين غير المخابرات الإيرانية ولأن هناك فارين لا تزال أجهزة الأمن تلاحقهم وتحاول إلقاء القبض عليهم».

وأكثر من هذا فإن، المصادر الرسمية تقول إن هناك أسلحة ومتفجرات وصواريخ وبكميات كبيرة لم تستطع أجهزة الأمن تحديد مواقعها حتى الآن وأنه في ضوء احتمال استخدام هذه الأسلحة، وبخاصة الصواريخ، ضد أهداف حيوية أردنية فإن الجهود تنصب الآن على ضرورة ان تكشف «حماس الداخل» و«حماس الخارج» أيضاً عن أماكن تخزينها وأنها ستكون المسؤولة مسؤولية مباشرة عن أي عملية يجري تنفيذها بهذه الأسلحة المشار إليها.

ولعل ما تجدر الإشارة إليه أنه بينما كانت السلطات الأردنية تستعد لاستقبال الوفد الفلسطيني، السياسي والأمني، الذي جرى الاتفاق عليه مسبقاً بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الأردني معروف البخيت وصلت الى الأردن رسالة من كبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات يقول فيها ان حكومة إسماعيل هنية (الحماسية) أبلغت مؤسسة الرئاسة الفلسطينية بأنها لن تشارك في هذا الوفد لا سياسياً ولا أمنياً وأنه على الأردن أن يتجه الى «حماس الخارج» لأنها هي المعنية بهذه القضية.

وهنا فإن الأردن، الذي استقبل وفد الرئاسة الفلسطينية الأمني أمس الاربعاء، توصل بعد دراسة هذا التطور الأخير وعلى أعلى المستويات الى أن هذا الموقف الذي اتخذته الحكومة (الحماسية) يعود الى أحد الاحتمالات الثلاثة التالية:

أولاً، إما ان يكون هناك انقسام فعلي بين «حماس الداخل» و«حماس الخارج» وأن هذا الانقسام وصل الى مرحلة عدم العودة وأن حكومة إسماعيل باتخاذها هذا الموقف المشار إليه أرادت التنصل من مسؤولية هذه الأسلحة وحصرها تحديداً بخالد مشعل وبالمجموعة التي تتواجد معه في دمشق.

ثانياً، وإما أن إسماعيل هنية ووزراءه أرادوا من خلال هذا الموقف الفصل بين حكومتهم كحكومة وبين حركة «حماس» التي يقولون ان مواقفها وممارساتها لا تنسحب بالضرورة على الحكومة الفلسطينية.

ثالثاً، وإما ان الحكومة الفلسطينية قصدت، من خلال رفض المشاركة في الوفد الفلسطيني الى عمان، تمييز نفسها عن محمود عباس ومؤسسته الرئاسية وقصدت أيضاً عدم الانضواءألا تنضوي في أي وفد يتشكل بالأساس من الأجهزة الأمنية الخارجة عن مجال صلاحياتها والتابعة مباشرة الى (أبو مازن) ومؤسسة رئاسة السلطة الوطنية.

كل هذه الاحتمالات أخذها الأردن بعين الاعتبار وأخذ بعين الاعتبار أيضاً ان هذه الأسلحة والمتفجرات والصواريخ التي دأبت «حماس الخارج» على إرسالها الى الأردن تأتي في إطار ما أشار إليه العاهل الأردني عبد الله الثاني في التصريحات التي أدلى بها في الأيام الأخيرة والتي حذر فيها من أن العامين المقبلين سيكونان حاسمين وقاسيين وأن المنطقة كلها ستتعرض خلالهما ليس لهزات فقط وإنما لزلازل سياسية وأمنية في غاية الخطورة.

هناك أمور بدأ الأردن يتحدث عنها بدون خجل ولا وجل بل وبصراحة تامة وهي ان إيران، التي تريد ان تكرس نفسها كدولة إقليمية رئيسية وكبرى في هذه المنطقة، قامت بالترافق والتزامن مع مساعيها لتصبح دولة نووية بإنشاء تحالف سياسي وأمني وعسكري ضم بالإضافة الى «حزب الله» في لبنان وبالإضافة الى بعض دول المنطقة، التي تنتهج النهج الإيراني ذاته، حركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي هي في حقيقة الأمر تُوَّجه من قبل مجموعة الخارج أكثر مما تُقاد من قبل مجموعة الداخل المنشغلة بمتابعة شؤون الفلسطينيين اليومية.

إن لدى الأردن معلومات موثقة ومؤكدة بأن الأجهزة المخابراتية الإيرانية، وبالتعاون مع آخرين في هذه المنطقة، استطاعت في الفترة الأخيرة إيجاد خلايا نائمة لمنظمة «القاعدة» أولاً وبالدرجة الأولى في قطاع غزة ثم في الضفة الغربية لاستهداف السلطة الوطنية والرئيس الفلسطيني وكل من يؤيده ويقف معه من المسؤولين الفلسطينيين وعلى غرار ما هو جار الآن في العراق.

ولذلك ولأهمية هذه المعلومات، التي تعني مصر كما تعني الأردن، فقد جرى التوقف عندها مطولاً في قمة العقبة الأخيرة بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك ودار نقاش مركَّز حول ضرورة إنشاء جبهة أمنية وسياسية بين الدول العربية المستهدفة بالتطلعات الإقليمية الإيرانية وبخاصة مصر والأردن والمملكة العربية السعودية ومعظم الدول الخليجية.

بعد حديث «الفساطيط»، الذي ردده أسامة بن لادن أكثر من مرة والذي ردده خلفه خالد مشعل في مهرجان اليرموك الشهير قبل أيام، وبعد إيصال «القاعدة» الى الضفة الغربية وغزة فإنه غير جائز ان تكون المعالجة فردية وأن تبقى كل شاة معلقة من عرقوبها فالمثل يقول: «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض» واستهداف قلعة من قلاع هذه المنطقة سيتبعه حتماً استهداف كل القلاع الأخرى.

إن كل رسائل التطمين التي تقوم إيران بإرسالها الى دول الخليج لا يمكن الركون إليها والمثل الذي يقول: «لا تنظر الى دموع عينيه بل أنظر الى فعل يديه» ينطبق أكثر ما ينطبق على العلاقات العربية ـ الإيرانية ولذلك فإن كل هذا الكلام الجميل الذي يصدر من طهران سيصبح بلا أي قيمة إذا إمتلك الإيرانيون قنبلتهم النووية التي يسعون لإمتلاكها وإذا تفاهموا مع الأميركيين على خريطة سياسية لهذه المنطقة وهذا هو مغزى رسالة محمود أحمدي نجاد الى بوش.

ولهذا فعندما يُستهدف الأردن على هذا النحـــو وعندما تصبح سيناء بؤرة لـ«القاعدة» وتتَّنقل العمليات الإرهابية من طابا الى شرم الشيخ الى «ذهب» وعندما تتواصل المواجهة بين المملكة العربية السعودية وبين الإرهاب فإن قيام الجبهة المضادة لكل هذه التحديات تصبح ضرورية بل وواجبة.

لا توجد أي مشكلة بين الأردن وحركة «حماس»، لو أن هذه الحركة إلتزمت بأن تكون حركة فلسطينية غير منحازة الى أي من أرقام معادلة الاستقطاب في هذه المنطقة أما وأنها وضعت نفسها في قلب هذه الاستقطابات وأصبحت جسراً نحو الأردن وفلسطين للتطلعات الإقليمية الإيرانية فإنه أمر طبيعي أن تكون هذه المواجهة التي لا تزال في بدايتها والتي ستشهد فصولاً جديدة وخطيرة في الأيام المقبلة.