الصراع الدبلوماسي الإيراني ـ الأمريكي إلى أين ؟

TT

عندما تفشل الدول العظمى في التوصل إلى اتفاق حول موضوع ما، فإن ذلك مؤشر على تعقد الأمور ووصولها إلى نفق مسدود، ولا ينبغي فهم ذلك على أنه تشاؤم بل إنه تعبير عن الواقع الذي يسير نحوه العالم، فرغم أن الصين وروسيا تعارضان فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إيران أو استخدام القوة ضدها بالرجوع إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على اتخاذ إجراءات قسرية في حال كان السلام مهدداً، وحسب هذا الفصل فالعقوبات تتراوح بين عقوبات اقتصادية واللجوء إلى القوة. كما يسمح هذا الفصل بممارسة ضغوط على بلد ما لإجباره على الالتزام بالأهداف التي حددها مجلس الأمن وفي حالة عدم استجابة هذا البلد لهذه الضغوط فعندها يتم اللجوء إلى الإجراءات القسرية. والولايات المتحدة تتحرك استناداً إلى مبادئ هذا الفصل من ميثاق الأمم المتحدة. وفي حالة رأى مجلس الأمن أن هذه البنود غير مناسبة فقد يلجأ إلى البند 42 من الفصل السابع، وينص على أنه يجوز لمجلس الأمن القيام بأي تحرك يراه ضرورياً للحفاظ على السلام والأمن الدوليين بواسطة قوات جوية أو بحرية أو برية. وإذا نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في استصدار قرار من مجلس الأمن يستند إلى هذا البند فإن ذلك يعني حتمية الحرب على إيران، وقد طبق هذا الفصل من قبل ضد العراق في حرب الخليج الثانية. كما تم تطبيقه ضد الكوريتين خلال حربهما بين عامي 1950 و1953.

فتوالي إخفاق الاجتماعات والتي كان آخرها اجتماع وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا، والتي حضرها خافيير سولانا، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن صيغة مشروع القرار الفرنسي ـ البريطاني الذي يسعى إلى مطالبة إيران بوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، من شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً.

ورغم توجيه الرئيس الإيراني رسالة إلى الولايات المتحدة، يقترح فيها العودة لمبادئ الدين لإعادة الثقة بين البلدين، إلا أن هذه الرسالة قد لا تعني الكثير، فالسياسية الخارجية الأمريكية واضحة في هذا الباب، فهي لن تسمح بأي حال من الأحوال باستمرار إيران في تخصيب اليورانيوم، والرسالة تناولت مبادرة إيرانية للبحث عن وسائل جديدة للخروج من الوضع الهش الذي يمر به العالم، إلا أن الرد الأمريكي على رسالة أحمدي نجاد كان بأن موقف واشنطن تجاه برنامج طهران النووي لن يتغير.

وتوالت التصريحات رداً على رسالة أحمدي نجاد، فاعتبر المتحدث باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان أن الرسالة لا تعالج القلق الدولي تجاه طموحات طهران النووية، كما علقت وزيرة الخارجية الأمريكية على أن الرسالة لا تشكل أي مقدمة لأي حوار بشأن وقف البرنامج الإيراني. ثم جاء بعد ذلك تعليق وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي الذي ذكر أن وزراء خارجية الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا فشلوا أيضاً في الخروج بقرارات موحدة في التعامل مع الملف الإيراني. ورغم أن الرسالة كانت مبادرة دبلوماسية ذكية ومفاجئة إلا أن مفعولها أصبح غير مجد في ظل هذه التصريحات. ثم هناك تصريح آخر للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي فريديريك جونز الذي لمح إلى أن الرسالة ما هي إلا رؤية تاريخية وفلسفية واسعة حيث أن إيران لم تقدم أي تنازل حقيقي. بالإضافة إلى تصريح مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية جون نغروبونتي الذي ذكر أن الرسالة محاولة للتأثير على المداولات الجارية في مجلس الأمن. ثم هناك تصريح المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة جون بولتون الذي قال إن السياسة الأمريكية تسعى لمنع إيران من بلوغ أقصى قدراتها النووية. ثم يتصدر هذه التصريحات تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي أشار في مقابلة له مع محطة تلفزيونية ألمانية إلى أن المساعي الأمريكية تسعى للحصول على موافقة روسيا والصين بشأن استراتيجية مشتركة للحد من برنامج إيران النووي، وهو ما يعطي مؤشراً على أن الحرب الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران بلغت حدودها القصوى.

أما التحرك الدبلوماسي الإيراني فقد زاد من وتيرته، خاصة بعد تصريح الرئيس الإيراني الذي أشار إلى أن توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي لا قيمة له إذا لم يكن في صالح الأمة الإيرانية. وهدد بالانسحاب من المعاهدة في حال فشل مجلس الأمن وأعضاء الأمم المتحدة في حل مشكلة الملف النووي الإيراني. كما أن هناك مشاورات تجري في العاصمة السعودية، الرياض، للبحث عن حلول سلمية بين إيران والدول الغربية كون استخدام القوة ضد إيران سوف يؤثر على جميع الدول المجاورة؛ ومن بينها الدول العربية.

تمسك موسكو وبكين بعدم تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة من شأنه مساندة إيران كون الدولتين تشكلان قوة كبيرة في مجلس الأمن، خاصة أنهما تمتلكان حق النقض (الفيتو)، رغم عدم التلويح باستخدامهما له حالياً من قبلهما، وهو ما يجعل الدول الغربية تسعى إلى صياغة مشروع يطالب طهران فقط بوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، بدون استخدام نبرة التهديد بالقوة أي دون الإشارة إلى الفصل السابع. كما أن موسكو وبكين تريان أن فرض العقوبات سيزيد من تعقيد الأزمة.

[email protected]