على كيفه

TT

تداعت افكاري اليوم بعد ان قرأت خبرا يتعلق بركاب سيارات التاكسي في ولاية كينيتيكت الاميركية وعلاقتهم مع السائقين. وتذكرت طرفة رواها زميل عن صحافي مصري قام بمغامرة صغيرة في شوارع القاهرة منذ عدة سنوات. في ذلك الوقت كان عدد سيارات التاكسي في القاهرة أقل مما يحتاجه السكان. ولوحظ ان التاكسي لا يتوقف لكل زبون يرفع يده مناديا وكأن السائق يختار الزبون على كيفه. وعزم الصحافي على امر. في صباح اليوم التالي لبس الثوب والغترة ونزل الى الشارع ورفع يده مناديا على تاكسي. وفي التو واللحظة توقفت سيارة التاكسي. وكرر تلك التجربة لا مرة واحدة بل خمس مرات في يوم واحد. في اليوم التالي عاد الى لبس القميص والبنطلون ونزل الى الشارع ووقف على قارعة الطريق رافعا يده طلبا لتاكسي. وطال انتظاره رغم مرور اكثر من سيارة بدون ركاب.

وكانت تجربة الصحافي المغامر مادة لتحقيق صحافي اثار جدلا في الشارع المصري.

تذكرت ذلك كله حين قرأت اليوم ان الغالبية العظمي من سائقي التاكسي في كينيتكت يتحدرون من اصول افريقية او اسبانية. وانهم لا يفضلون التوقف لزبون من اصول افريقية او اسبانية ولكن يتوقفون بلا تردد لزبون من الجنس الابيض. وافترض الباحثون ان سلوك السائقين نابع من مشاعر عنصرية كامنة.

وبناء على ذلك اجريت دراسة عن العلاقة بين السائق والزبون بنيت على اشتراك الف سيارة تاكسي. وجاءت النتيجة مخالفة لكل التوقعات. فلم يكن سلوك السائق نحو الزبائن الملونين نابعا من ازدراء للذات او تعصب ضد الملونين بل هو ميل فطري للبقشيش السخي.

اثبتت الدراسة انه لو استقل زبون ابيض سيارة تاكسي سائقها من اصول افريقية او اسبانية دفع الحساب بلا جدال وزاد عليه دولارا او اثنين. ولكن اذا كان السائق افريقيا او اسبانيا والزبون مثله يتقلص البقشيش الى النصف. وفي بعض الاحيان يجادل الزبون في الاجر وقد يعتدي على السائق بالسباب او بالضرب.

اذا عرف السبب اذن بطل العجب. ويستوي في السلوك سائق التاكسي في كينتيكت او في القاهرة او حتي في تمبتكتو.

قبل عشر سنوات تعرضت لموقف تصورت انه تفرقة ضد النساء. فقد كنت اثناء عملي بدار الصحافة العربية في لندن اتردد على مطعم قريب اذا دعوت ضيفا زائرا على غداء. كنت افضل ذلك المطعم على غيره لقربه من مقر عملي ولأناقته وتميزه في الخدمة ونوعية الطعام. اكثر من مرة توجهت مع ضيوفي الى المطعم واعتذر المتردوتيل بأن المطعم كامل العدد. وحين تكرر الموقف تصورت انه يرفض طلبي لأني امرأة. فعزمت على امر. بعد عدة ايام طلبت من السكرتارية حجز طاولة لأربعة اشخاص في المطعم ذاته باسمي وحرصت ان يذكر الاسم بصورة لا يفهم منها ان كان صاحب الاسم رجلا ام امرأة.

وتوجهت الى المطعم مسلحة بالحجز التليفوني. وتناولنا غداء هنيا وعند دفع الفاتورة زدت على رسم الخدمة المذكور في فاتورة الحساب بقشيشا سخيا. بعد ذلك اصبح المتردوتيل يلقاني انا وضيوفي بابتسامة عريضة ويخصص لنا افضل طاولة في المطعم. فادركت ان ما اعتبرته انحيازا ضد المرأة لم يزد على كونه حرصا على مصدر البقشيش. فمن المعترف به ان الرجال اكثر سخاء في دفع البقشيش من النساء ليس لشح متأصل في نفوس بنات حواء ولكن لأن توزيع الثروة بشكل عام يمنح الرجل القدرة على السخاء بينما تعوق المرأة محدودية الامكانيات في بعض الاحيان. اذا عرف السبب كما ذكرت بطل العجب. ابسط يدك تجد ما يسرك.